: آخر تحديث

هل دقت ساعة الحرب على الماء في الشرق الأوسط؟

72
76
60
مواضيع ذات صلة

يبدو حال الشرق الأوسط في المآسي كأنما فُتح "صندوق باندورا" على أقداره منذ زمن بعيد، فخرجت منه كل الشرور باستثناء اليأس، حتى لكأنما أصبحت أقدارنا الصعبة نحن أبناء هذه المنطقة جزءاً أصيلاً في جيناتنا، وبتنا نعاني من سلاسل متصلة من المشكلات الصعبة والكبيرة التي تكفي واحدة منها لتزجّ بهذا الشرق وأهله في أتون مجهول مظلم لا نهاية له ولا هدى فيه، بدءاً من الأزمات السياسية وصراعاتها العنيفة، ثم مشكلات الفقر والتنمية وإخفاقاتها المتكررة، مروراً بكافة أشكال الصراع الإثني والديني والمذهبي، وليس انتهاء بمشكلات نقص المياه والتصحر والجفاف.

أما مناسبة القول أعلاه فهي بسبب التحذير الذي أطلقه البنك الدولي في أحد تقاريره حول اعتبار منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إحدى بؤر التوتر في العالم بسبب الاستخدام غير المستدام للمياه فيها، ولا سيما الجوفية، حيث يتجاوز سحب المياه في بعض البلدان نصف معدلات الحدود الطبيعية.
لذلك يتوقع الخبراء أن نزاعات القرن الحادي والعشرين سوف تتمحور في المنطقة حول المواد الخام، بدءا بالمياه التي ستُصبح أكثر ندرة في كل مكان، حيث ستؤدي الضغوط الناجمة عن زيادة أعداد السكان وازدياد الطلب على المياه للاستخدام الزراعي، كما ستؤدي الحاجة المتصاعدة للموارد في جميع أنحاء العالم إلى المنافسة على المياه العذبة، وبخاصة في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتحديداً البلدان التي تحتوي على أنهر كبيرة كالنيل ودجلة والفرات.                                                                                    

وتشير المعطيات على الأرض إلى أن قضية توافر المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أصبحت مسألة خطيرة للغاية بسبب الإنفجار السكاني و تغير المناخ والجفاف و التصحر، ووفقاً لبيانات البنك الدولي وتقارير الأمم المتحدة فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لديها أقل حصة من الموارد المائية للفرد على مستوى العالم بحيث لا تستطيع معظم بلدان هذه المنطقة تلبية احتياجاتها من المياه بشكل دائم، ومن المتوقع أن ينخفض نصيب الفرد من المياه إلى النصف بحلول عام 2050 .                  

ترتبط قتامة صورة الوضع المائي في الشرق الأوسط ارتباطاً مباشراً بنذير تفجر صراعات وتوترات جديدة، الأمر الذي دفع رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم إلى القول: "إن ندرة المياه تمثل
بالفعل هي صورة قاتمة للوضع المائي في الشرق الأوسط مما ينذر بتفجر صراعات وتوترات جديدة فيه؛ حيث يشكل انعدام الأمن المائي تهديداً متزايداً للمنطقة وبهذا الصدد يقول رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم:"تمثل ندرة المياه تهديداً خطيراً للنمو الاقتصادي والاستقرار في جميع بقاع العالم، ويؤدي تغير المناخ إلى تفاقم المشكلة، وإذا وقفت البلدان مكتوفة الأيدي في اتخاذ إجراءات لتحسين إدارة الموارد المائية، فإن تحليلنا يشير إلى أن بعض المناطق التي تضم أعداداً كبيرة من السكان قد تعاني فترات طويلة من نمو اقتصادي سلبي. غير أن البلدان بمقدورها الآن وضع سياسات تساعدها على إدارة المياه إدارة مستدامة خلال السنوات المقبلة".

حرب المياه القادمة
ثمة عدة بؤر في منطقتنا قد تؤدي إلى اندلاع  نزاعات مائية وحروب بينية؛ أشهرها الخلاف الراهن بين دولتي مصر العربية والسودان من جهة وأثيوبيا من جهة أخرى حول سد النهضة؛ حيث تعثرت المفاوضات حتى اللحظة في إيجاد تفاهمات ترضي كل الأطراف، مما ينذر بنشوب نزاع لا تعرف مآلاته، وهو ما تجلى في تحذير سابق للرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات عام 1979 بأن "الطريقة الوحيدة التي يمكن لمصر إعادة الانخراط في الحرب هي المياه".

أما تركيا فتحاول الحفاظ على موارد المياه داخل بلادها من خلال تنفيذ عدة مشاريع مائية مجحفة في حق دول الجوار، مما أدى إلى حدوث خلافات مع كل من العراق وسورية؛ حيث تتحكم تركيا بكميات كبيرة من المياه التي تنبع من أراضيها، وذلك عبر إقامة عدد كبير من السدود الضخمة التي كان أشهرها سدّ أتاتورك الذي أدى إلى تراجع حصة سورية من المياه وبلوغها مستويات خطرة تنذر بالأسوأ، أو سدّ إليسو الذي افتتح 2018 على نهر دجلة التركي وأدى إلى أن تخسر العراق 60% من حصتها في مياهه.
على المقلب الآخر، تبذل إسرائيل قصارى جهدها في فرض سيطرتها الدائمة على هضبة الجولان التي تعد مصدراً رئيساً للمياه، وقد بات معروفا أن مسألة المياه مثلت أحد أهم الاسباب الرئيسية للخلاف الإسرائيلي السوري الذي صعّدته إسرائيل باتجاه حرب 1967 بعد أن اتهمتها دمشق بتحويل منابع نهر الأردن لمصلحتها.

تشير المعطيات السابقة بشكل جلي إلى أن أزمة المياه ستمثل مستقبلاً أكبر تهديد يواجه المنطقة، وعليه يعتبر المحللون أن الحرب الأكبر التي سيشهدها الشرق الأوسط خلال القرن الحالي هي حرب المياه.

وعليه إن لم يتدارك صُنّاع السياسية المخاطر المترتبة على أزمة المياه في منطقتنا، فمن المؤكد حتماً أن أي حرب جديدة ستفاقم حجم المعاناة وتزيد الأوضاع بؤساً على بؤس، كما أن اندلاع أي حرب سيؤدي إلى تعطيل المشاريع التنموية سواء في دول المنبع أو دول المصب؛ وبذلك لن تكون خسائر المهزوم أكبر بكثير من خسائر المنتصر في هذا النوع من الحروب التي يُهزم فيها الجميع ولا ينتصر أحد سوى الحرب ذاتها.                                                                              

ورغم قتامة المشهد الحالي في الشرق الأوسط في ظل عدم التوصل لتفاهمات مرضية لكل الأطراف، إلا أن الأمل ما زال قائماً في توصل ساسة المنطقة وعقلائها إلى تسوية يمكن أن تمنع قيام أي حروب جديدة، خاصة وأن اليأس بقي حبيس "صندوق باندورا" لكي نبقى نحن البشر متطلعين دائماً إلى تحقيق أمانينا وآمالنا في السلم والرفق ولو بعد حين.     


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي