لا ضرورة لكل هذا "النواح" الكيدي لإزالة إسم السلطان العثماني سليمان القانوني عن أحد شوارع الرياض، وأغلب الظن أنّ تسمية شارع بهذا الإسم في العاصمة السعودية كان تقديراً من محافظ هذه المدينة وليس بقرار حكومي من جهة مخولة ورفيعة المستوى، فالتجربة العربية مع السلاطين العثمانيين وفي مقدمتهم هذا السلطان كانت شديدة "المرارة" فهو حكم ستة وأربعين عاماً منذ عام 1520- 1566 واسم والده سليم خان الأول، وكان قد عرف عند العرب بـ "سليمان العظيم" وعند الأتراك بـ "قانوني سلطان سليمان".
ربما إنّ عهد سليمان القانوني بالنسبة للأتراك العثمانيين كان عهد تقدم وإزدهار ولكنه بالنسبة للعرب كان مثل كل من سبقوه ومن تبعوه في المشرق العربي الذي كانت قد برزت فيه عاصمتان مزدهرتان وعلى مستوى عالمي.. عاصمة الأمويين دمشق وعاصمة العباسيين بغداد ولاحقاً "قاهرة" المعز لدين الله (الفاطمي)، وإنّ ما يعتبره البعض إنجازاً نعتبره نحن كارثة وهو إحتلاله لشمالي أفريقيا الذي كان شهد نهضة عظيمة خلال العهود العربية التي مرت بها وصولاً إلى دولة الأندلس في أوروبا.. التي هي الآن أسبانيا.
لقد إحتل العثمانيون دمشق في عام 1616 وكانوا قد إحتلوا بغداد في عام 1638 بعد ذلك توالى إحتلالهم للمناطق العربية، وهكذا فإن حكمهم الذي كان إستبدادياًّ والذي استمر منذ بداية القرن السادس عشر وحتى نهايات الحرب العالمية الأولى 1918 حيث خرجوا من الأقطار العربية كلها، ولكنهم في عهد كمال اتاتورك وبتآمر مع الفرنسيين عادوا لإحتلال لواء الإسكندرون وبعض المناطق التابعة لـ "ديار بكر" التي ستبقى المطالبة بها مستمرة ومتواصلة إلى أن تعود إلى أهلها كدول وكشعوب وكأمة عربية.
ربما أنّ دمشق قد مرت بوضعية إنتعاش وهدوء مؤقتة وهذا ينطبق على بغداد أيضاً، لكن في الحقيقة أنّ الحكم العثماني ومن ضمنه حكم سليمان القانوني، هذا الذي يكفيه أنه سمي بإسمه شارع في مدينة الرياض كل هذه الفترة الطويلة كان ظالماً وإستبدادياًّ بالنسبة للعرب بصورة عامة، وذلك في حين أن حتى العواصم العربية قد تحولت في هذا العهد إلى قرى كبيرة وأنّ نهضة العرب التي بلغت ذروتها في العهود الأموية والعباسية وما تبعها قد أصابها الإنهيار الشامل، وأنّ "الأمية" في الوطن العربي قد أصبحت إنْ ليست كاملة.. فشبه كاملة، وأنّ الفوضى قد عمّت البلاد والعباد وأنّ الإستقرار الحضاري قد تحوّل إلى عمليات "غزو" ونهب وسلب وإلى حروب قبلية وعشائرية.
لقد كان العرب بالنسبة للأتراك مجرد دافعي ضرائب حتى الفلاحين منهم والبدو المتنقلين بمواشيهم وإبلهم، ولقد سادت وضعية الغزو بين القبائل العربية وبين الفلاحين في هذه المنطقة كلها، وكان هؤلاء مجرد مستودعات للمقاتلين في الجيش التركي: "سفربرلك" الذي كان منهمكاً في فتوحاته لدول أوروبا الشرقية، وحقيقة أنّ ألوفاً من أبناء هذه الأمة كانوا قد غابوا في هذه الحروب بدون رجعة.
ثم وإنّ من يتباكون على "شارع" سليمان القانوني الذي لم يعد له مكاناً في الرياض لا يعرفون بالتأكيد بحكم جهلهم المطبق وبحكم نكاياتهم المستمدة من تبعيتهم المعيبة لتركيا رجب طيب أردوغان وأيضاً للحرس الثوري الإيراني أن جمال باشا السفاح، كان أحد الباشاوات الثلاثة وقائد الجيش الرابع العثماني ووزير البحرية التركية وحاكم سوريا وبلاد الشام وربما أنه من أشد المعجبين بـ "سليمان القانوني" هذا والمعروف أنه قد علق أعداداً من خيرة أبناء الأمة العربية على أعواد المشانق في ساحة دمشق وساحة بيروت ومع إخضاع المعتقلين العرب في السجون والمعتقلات التركية لأشد أنواع التعذيب..
فهل يعرف هذا كله الذين يتباكون على "شارع" سليمان القانوني؟!

