باستثناء "الشقيقة" قطر فإنّ الرئيس التركي دأب على أنْ تكون قواعده في دول الفوضى الهدامة وفي الدول "الممزّقة"، فهو قد بدأ بالصومال التي كانت ولا تزال أوضاعها "لا تسرُّ الصديق ولا تغيض العدا"، والمعروف أنّ الذئاب لا تستهدف "الجثث" وأنها "تُغير" إنْ ليلاً وإنْ نهاراً على القطعان التي تبدو في كامل حيويتها، أمّا الضباع فإنّ روائح الجثث المتفسّخة هي ما يستدرجها أمّا الثعالب فإنّ أهدافها الدجاج والطيور الكسيحة وبعض الحيوانات الصغيرة غير القادرة لا على الهرب ولا على المقاومة.
ما كان من الممكن أنْ يفترس رجب طيب أردوغان الصومال، هذا البلد العربي الجميل الذي يتميز أبناؤه بالطيبة وبالمستويات الثقافية الرفيعة وبالحس السياسي الرقيق والشفاف، لو لم تكن أوضاعه هي هذه الاوضاع، ويقيناً أنّ من جمعتنا بهم فترات الدراسة الجامعية من أبناء هذا الشعب الطيب كانوا يمتازون بأخلاق رفيعة وبالصداقات الحميمة وبالحسِّ العروبي الشفاف والصادق، وكان منْ إنضم منهم إلى بعض الأحزاب القومية في تلك الفترات التي غدت بعيدة وهي بالتأكيد لن تتكرر ولن تعود، كانوا يتميزون بالقناعة الحقيقية والفعلية بالإنتماء الصادق وكانوا يعتبرون أنّ الأحزاب التي إنتموا إليها خيارات مصيرية وليس مجرد لحظات عابرة أملتها ظروفهم ومتطلباتهم الدراسية.
ويقيناً أنّ لا رجب طيب أردوغان ولا غيره كان بإمكانه أن يقيم قاعدة عسكرية في الصومال لو أنّ ظروفها وظروف أهلها لم تكن هي هذه الظروف الصعبة، وهذا ينطبق على ليبيا التي تركها العقيد معمر القذافي، بعد حكم مُبْتدع تحت عنوان: "الجماهيرية العظمى"، مشرعةَ الأبواب للطامعين وأمانه في أعناق قوى لم تحافظ على الأمانة، وهذا هو ما إستدرج من وصفها بأنها أملاكٌ "عثمانية" ليقيم فيها قواعد عسكرية وليحشوها حشواَ بشذّاذ الآفاق وبالمرتزقة.. وليعطي بعض أجزائها لحلفائه الذين كانوا أعداءً ألدّاء له قبل أنْ يتقاسم معهم هذه "الكعكة" الليبية، التي غدت "مفتتة" وتمتد إليها أيدي الطامعين!!.
ما كان رجب طيب أردوغان يستطيع أن "يطأ" أرض ليبيا والصومال ولا أن يسيل لعابه على تونس الخضراء لو أنّ الوضع العربي لم يصبح على ما هو عليه الآن: "لا يسرُّ الصديق ولا يغيض العدا" ولو أنّ إيران لم تستغل معطيات ما بعد عام 2011 وتحوّل خمساً من الدول العربية إلى "مستعمرات" لها، ولو أنّ بعض العرب لم يخرجوا من جلودهم ويلتحقوا بـ "الولي الفقيه" كأتباعٍ عليه حمايتهم من خطر مفتعل غير موجود بينما عليهم "إنفاق" أموال شعوبهم عليه وعلى جيوشه الجرارة، أي الجيوش "العثمانية" التي أقاموا لها المعسكرات في بلدانهم لتحميهم من لا شيء طالما أنّ مخاوفهم من بعض أشقائهم وهمية وغير حقيقية!!.
والمفترض هنا أنه كان يجب التصدي لهذا "الغازي" رجب طيب أردوغان منذ أن أقام في الصومال أول "قاعدة" لجيوشه ومنذ أكدت تطلعاته على أنه يسعى لتحويل البحر الأحمر إلى بحيرة عثمانية، وأيضاً منذ أن أقام في "الشقيقة" قطر قاعدة لجيوشه ومنذ أن أبرم مع إيران إتفاقاً باركه الإخوان المسلمون والهدف هو أن يكون هناك تحالفاً "عثمانياً" "فارسياً" وعلى أساس أنّ المستهدف هو العرب الذين باتوا يمرون بلحظة تاريخية مريضة وإلاّ لما بات الإيرانيون يسيطرون على خمس دول عربية ولما تمكن من إقامة قواعد في ليبيا ويسعى أيضاً لإقامة قواعد له في تونس، وبالطبع فإن تطلعاته باتت تذهب بعيداً نحو الأوراس والأطلسي في الغرب، وحقيقة أنّ هذه التطلعات لا يمكن تحقيق أيٍّ منها.. فدفع الإستحقاقات بات قريباً وسيدفع الرئيس التركي هذه الإستحقاقات كما دفعها قبله "العثمانيون".

