: آخر تحديث

صورة إسرائيل المتحولة في ذهن السوريين

65
65
54
مواضيع ذات صلة

أثار المعارض السوري المقيم في باريس، فهد المصري، زوبعة إلكترونية بعد نشره بياناً مسجلاً بالصوت والصورة، على حسابه في الفيس بوك، قدم خلاله "جبهة الإنقاذ الوطني" التي أسسها، بديلا عن النظام السوري. سبق بيان المصري المصور، بيانات كتابية باسم الجبهة عن رؤيته للعلاقة المستقبلية بين سوريا وإسرائيل، ورد فيها اعتبار الجولان "حديقة سلام للشعبين السوري والاسرائيلي". المصري كتب أيضا "أن مراكز الأبحاث والأجهزة في أغلب الدول تلجأ لقياس الرأي العام.. بطرق مختلفة لاستشفاف الرأي والمزاج العام." داعيا السوريين للترحيب إلكترونيا برؤيته السياسية، ليحظى بدعم السلطات الإسرائيلية. سبق ذلك بفترة قصيرة تغريدة للأكاديمي الإسرائيلي إيدي كوهين على حسابه في منصة تويتر، كشف من خلالها أن المصري سيكون رئيس سوريا القادم، أتبعها بدعوة السوريين للتصويت على اسمين، وهما حافظ الأسد الرئيس السوري السابق وإيلي كوهين؛ الذي عمل جاسوساً للموساد الإسرائيلي في سوريا منذ بداية الستينات واعتقلته السلطات السورية وحكمت عليه بالإعدام في العام 1965، لاختيار الأفضل بينهما كرئيس لسوريا. صوت 65.8 % لصالح إيلي كوهين من إجمالي 9648 صوت، ما يعني أن 6348 شخص صوتوا لصالح الجاسوس الذي أعدم في دمشق. أما بيان المصري المصور، فقد حاز حتى لحظة كتابة هذه الأسطر على 5100 أعجبني، 525 قلب، 213 أضحكني و 10 أغضبني.

تأثير الثورة السورية

لعبت الثورة السورية دورا مفصلياً وتاريخياً، زحزح الاصطفافات المبنية على الصراعات الكلاسيكية في المنطقة، لصالح الصراعات الجديدة التي أعقبت الربيع العربي، خاصة بعد الجرائم المروعة التي مارسها النظام السوري، على مدار ثمان سنوات. وقد تدثر النظام السوري منذ بداية الحقبة البعثية بالقضية الفلسطينية، ليستر جرائمه الداخلية والخارجية، ويغطي على أي صوت يطالب بالمساءلة، ناهيك عن المطالب الديموقراطية للسوريين، وشعوب دول الجوار التي عانت من جرائمه. وقد وجد هذا النظام دائما حركات وفصائل وأصواتاً فلسطينية وعربية تسانده، لإيمانها بمركزية القضية الفلسطينية وبالدعاية التي يبثها النظام حول التزامه بها، باعتقاد بعضها أن صوت الضحية السورية يضر بالقضية الفلسطينية التي يجب أن تبقى المثال الأبرز للضحية، حدث ذلك في ظل الثورة السورية التي مارس فيها النظام جرائم بشعة تصنفها منظمات حقوقية بأنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، رغم انحراف مسار الثورة السورية عن سياقه السلمي البكر، بعد مواجهة العدو الغير معقول!

استهتر النظام السوري بالقدرات العقلية لدى خصومه، فرغم حربه المديدة ضد الشعب السوري، فإن جيشه المسمى "الجيش العربي السوري" والذي يُعد أحد أبرز أدوات النظام، و يقوده رئيس البلاد، لم يصدر بيانا واحدا، يشير لعملية حدثت بالخطأ ضد منشأة مدنية، أو تسببت في خسارة ضحية مدينة واحدة، أو بيانا يعتذر فيه أو يفتح فيه تحقيقا أو يعد بفتح تحقيق لمرة واحدة على الأقل. وأمام الصوابية المطلقة لحرب النظام ضد الشعب والشيطنة الكاملة لخصومه وضحاياهم، أمام هذا الوضع الاستثنائي من الإهدار الكامل لصورة الضحية السورية، واجه السوريون سكاكين أنصار القضايا الكلاسيكية، من اليسار والقوميين والممانعين، والأقليات المتحالفة مع نظامهم، أو التي تعاني من رهاب الجماعات السلفية، والتي لم تتوقف عن طعن الضحية، مطالبة إياها بالتوقف عن مطالبها، وعدم استفزاز صديقهم المشغول مع حليفه الإيراني بتحرير فلسطين. هذا أحدث انزياح في لاوعي الضحية، جعل الإمبريالية والصهيونية تبدو أقل وحشية وأكثر رحمة، مقارنة بآلة البطش العنيفة التي تعرضت لها. ناهيك أن هذه القوى المناصرة لآلة قمع النظام، تجردت بالمطلق من إنسانيتها التي تزعمها كسببٍ في مواجهة إسرائيل أو حتى الجماعات السلفية المتطرفة.
 
ما قبل الثورة السورية
 
إذا كان المنطق عبدا للمشاعر حسب الفيلسوف ديفيد هيوم، فإن مشاعر رأس النظام السوري خلقت عالماً سياسيا غير منطقي. عالم يمجد الأكاذيب التي ترضيه، ويكذب الحقائق التي تغضبه، برعاية أجهزته الأمنية التي تعمل ليل نهار، ليصبح المعارض السوري في عين المجتمع مبشراً بالموت والهلاك، ما جعل مهمة المعارض الفكرية، مهمة مستحيلة، مما عزز رغبته في الانكفاء للتخلص من الصداع المزمن، الناتج عن النقاشات السورية.

فمنذ اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري، وصدور قرار مجلس الأمن رقم 1595 والمحكمة التي انبثقت عنه، أطلق النظام أبواقه الإعلامية للرد على تقرير المدعي العام الألماني ديتليف ميليس. في ذلك الوقت اختلط صوت المغني علي الديك الذي رد بأغنية على التقرير، بصوت الشيخ راتب النابلسي الذي كذّب التقرير، وبصوت المفكر الاستراتيجي (كما يعرف عن نفسه) عماد فوزي شعيبي الذي شكك بمصداقيته.
شخصيا أهدرت الكثير من الوقت في نقاشات سورية، لتفنيد المعلومة التي تقول: والدة المحقق ميليس يهودية قتلت في الجولان. كما أعدت ذات التساؤلات في النقاشات السورية عامة، مع أنصار النظام، مثل: لماذا تغتال إسرائيل اللبنانيين الرافضين لوجود الجيش السوري في لبنان؟ ألا تريد إخراج الجيش السوري من لبنان كما تعتقدون! لماذا تغتال أنصارها؟
في ذلك الوقت كتبت في منتدى لبناني باسم مستعار، وكانت صورتي الرمزية، شريط أزرق معقود كتب أسفله "الحقيقة لأجل لبنان"، هناك وجدت بضعة سوريين مؤيدين للنظام، كانوا نسخة واحدة تكرر المثل الشهير "عنزة ولو طارت" رغم كل القضايا الحاسمة التي طرحت للنقاش، من اغتيال الحريري مرورا بانشقاق نائب الرئيس عبدالحليم خدام، ثم " انتحار" وزير الداخلية غازي كنعان، الذي وصل إلى الحد الذي اتهم فيه وزير الخارجية فاروق الشرع الإعلام اللبناني بالوقوف خلف انتحار كنعان، ليقدم نسخة واضحة من آلية تفكير أنصار النظام وأبواقه! أما سياسيا فقد نشطت المعارضة السورية في الخارج عبر إصدار البيانات وكتابة المقالات، وارتفع صوتها الخجول في الداخل، وبرز اسم فريد الغادري بعد أن أستقبله الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن في البيت الأبيض. والغادري معارض سوري من مواليد مدينة حلب، أسس حزب الإصلاح السوري، وطالب بتدخل أميركي من أجل إسقاط النظام. وقد كتبت ذلك الحين، أيضا باسم مستعار، في منتدى الغادري الإلكتروني، لكني لم أمكث طويلا، بسبب غياب الرقابة وكثرة الشتائم بين السوريين.

أجرى الغادري بضعة حوارات منها واحداً على قناة الحرة، وكان في مواجهته عضو مجلس الشعب وقارئ القرآن محمد حبش الذي وصفه بالغادر لوطنه ودينه. 
الإعلام السوري تداول اسم الغادري، وأوردت صحيفة تشرين على صفحتها الأولى في العام 2005 ، شهادات عن علاقته بالإسرائيليين، وأنه وعدهم ببناء متحف للهولوكوست في دمشق، وأنه صديق للإسرائيليين المتطرفين الذين رفضوا قرار الانسحاب من غزة، الذي أصدره رئيس الوزراء السابق أرئيل شارون. ومن الجدير ذكره أن الغادري لم يحظى بأية شعبية تذكر في أوساط السوريين، فقط النظام السوري وإعلامه أخذه على محمل الجد، حتى أن بشار الأسد وقع شخصيا على قرار سحب الجنسية منه. 

في تلك الفترة خلط حزب الله الأوراق في المنطقة عبر إشعاله حرب تموز 2006 ضد إسرائيل، التي استغلها بشار ليخطب في المؤتمر الرابع لاتحاد الصحفيين خطاباً قال فيه" نسأل ذلك المسؤول الفرنسي المتقد حماسة بشكل دائم ومستمر خاصة في اتجاه سوريا.. هل سيطالب بلجنة تحقيق دولية لكي تحقق بمجزرة قانا..  كما طالبوا بالتحقيق في اغتيال الرئيس الحريري".

تجاوز النظام السوري أزمته لاحقاً، وتكللت نجاته بزيارة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي إلى دمشق، ثم دعوة بشار لحضور اليوم الوطني في فرنسا في العام 2008، ولا نعلم إن كان بشار قد طالب ساركوزي بفتح تحقيق في مجزرة قانا أم لا.
 
إسرائيل والثورة السورية

بعد زيارة بشار إلى باريس بثلاث سنوات اندلعت الثورة السورية، ولم تطرح القوى السياسية التي تشكلت بداية فيما عرف بالمجلس الوطني، ثم الائتلاف، أي مبادرة تجاه إسرائيل، حتى أنها لم تصدر بيانا من باب التطمين، يعد بالحفاظ على الوضع القائم بما في ذلك اتفاق الهدنة، على الأقل كموقف الإخوان المسلمين في مصر بعد استلامهم السلطة في أعقاب الثورة المصرية.

قبل ذلك اتهم النظام السوري المتظاهرين في باب سباع في حمص برفع علم إسرائيل، بعد أيام من انطلاق المظاهرات في الحي، لتشويه صورتهم في أوساط السوريين المناصرين بالعموم للقضية الفلسطينية. لكن هذا الاتهام رد عليه عشرات المتظاهرين بإحراق علم إسرائيل. المعارضة من جهتها تداولت على نطاق واسع، تصريح رجل الأعمال وابن خال الرئيس رامي مخلوف، لصحيفة نيويورك تايمز، بعد أقل من شهرين على اندلاع الثورة، الذي قال فيه" لن يكون هناك استقرار في إسرائيل إذا لم يكن هناك استقرار في سوريا".

ليس هناك أدنى شك بأن إسرائيل لا تفكر بحزم حقائبها والرحيل من الشرق الأوسط، الذي تود البقاء فيه ما بقيت، وبأن النتيجة التي تمخضت عن إجرام النظام السوري، قلصت المسافة بينها وبين الضحية السورية، وتشكل فرصتها الأخلاقية الأربح، لتنحي صورتها القديمة كعدو رئيسي وترفع بدلا عنها صورة جديدة، كحليف أمام الوحش البربري المتمثل بالنظام السوري.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي