: آخر تحديث

هجرة الكتب وإدمان مواقع التواصل واقع مقلق يهدد ذاكرتنا

89
101
80
مواضيع ذات صلة

كل شيء تغير منذ سنوات، حياتنا، مدارسنا، جامعاتنا، علاقاتنا، طباعنا، حركاتنا، سلوكنا وهذا التغير أصبح يثير القلق ويدفع إلى مزيد من الدراسات والأبحاث وضرورة التحرك على كافة المستويات والمجالات للتحكم في الوضع قبل أن يصبح واقعا مريرا نغرق فيه جميعا.

منذ عشرين سنة قبل الآن، كنا نستيقظ على صورة آبائنا وهم يحملون الجرائد أو المجلات أو الكتب يتصفحونها، أثناء احتساء فنجان قهوة أو أثناء الفطور، كان مشهدا يحمل كثيرا من الدلالات والمعاني، ربما من الصعب تفسيرها لجيل الآيباد والأجهزة الإلكترونية، لأنهم لم يعيشوا تلك الفترة الذهبية، لكن هناك جيل مخضرم عاش المرحلتين، وأحس بمضض الحياة الراهنة المفرغة من قيمتها الاجتماعية وطعم التواصل الحقيقي وليس الافتراضي.

شتان بين جيل كان يحمل بين يديه كتبا لأعرق المؤلفين بشتى اللغات، يتصفحها بشغف ويتعلم منها إلى أن يخلد إلى النوم والكتاب بين يديه يأبى أن يتركه لولا النعاس، وبين جيل ينام منكبا على مواقع التواصل الاجتماعي لساعات إلى حد السهر وعدم النوم الجيد.

*أهمية قراءة الكتب للعقل* 

 من منا لم يحفظ المثل القائل "خير جليس للأنام كتاب"، هذا يجعلنا نتدبر في الحكمة التي تنطق بها أفواه الحكماء والأجداد الذين خبروا الحياة وما نطقوا بشيء إلا وفيه حكمة بالغة، وهنا نتساءل لماذا قالوا أن خير جليس للأنام كتاب؟ هنا نتأمل في هذه العبارة لنفهم أهمية الكتاب في حياتنا وكيف له أن يجعل منا عباقرة وناجحين في حياتنا.

يؤكد علماء أن جسم الإنسان يحتاج إلى رياضة مستمرة للحفاظ عليه كما أن الروح بحاجة للرياضة في شكل طقوس أو عبادة أو صلوات، بحسب مفهوم الرياضة الروحية لكل إنسان، تخرجه من عالم الكآبة وتشحنه بالطاقة الإيجابية التي تدفعه إلى الخير دائما وهذا ما يريحه ويشعره بالسعادة، وهناك رياضة خاصة بالعقل وتكمن في القراءة التي تسهم في نموه وتنمية قدراته وتصوراته كما يزيد في ذكائه وفطنته ومكاسبه الإدراكية، وهنا يقول المثل الألماني: "لا ينمو الجسد إلا بالطعام والرياضة ولا ينمو العقل إلا بالمطالعة والتفكير"

*الزهايمر مرض العصر..الوقاية منه بكثرة المطالعة*

قام البروفيسور غريغوري بيرنز (Gregory S. Berns) أحد أهم علماء الأعصاب بدراسة خلص فيها إلى أنّ التغيرات العصبية المرتبطة بالإحساس الفيزيائيّ وأنظمة الحركة في جسم الإنسان تشير إلى أن قراءة رواية يمكن أن تجعل الشخص يشعر كما لو أنه أحد الشخصيات.

هذا يدل على أن القراءة تكسب الإنسان طاقة كبيرة، وتجعل له قوة التصور وتمنحه مناعة من الإصابة بأمراض فقدان الذاكرة، كمرض الخرف أو الزهايمر؛ لذلك نجد أن هناك نصائح مستمرة ووصايا من مختصين بضرورة ممارسة القراءة بشكل يومي للمحافظة على وظيفة العقل وخلايا الذاكرة والوقاية من تلك الأمراض.

*دعوات من الفضاء الافتراضي إلى العودة للقراءة والحد من إدمان السوشل ميديا* 

لاحظنا في الأيام القليلة الماضية مجموعة من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تدعو إلى القراءة والعودة إلى الكتب، نتيجة عزوف جيل بأكمله عن القراءة وإدمانه مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا مؤشر أثار قلق المتخصصين في علم الاجتماع والتربية وعلم النفس التربوي، ما جعلهم يتحركون للانطلاق عبر مختلف المنصات للوصول إلى أكبر عدد من مستخدمي الفضاء الافتراضي وتوجيههم إلى العودة إلى القراءة وأهميتها في حياة الإنسان، ولو تطلب الأمر قراءة 15 دقيقة في اليوم، لأننا أصبحنا نرى مجتمعات تعاني من الكآبة والقلق وأمراض تفشت بشكل كبير بسبب الإدمان على استخدام السوشل ميديا، ولا حل إلا بوضع حد للاستخدام المفرط لها، والقراءة هي الدواء لهذا الداء المتفشي، فهي وحدها ستضعنا أمام الحلول لهذا المرض الذي تغلغل فينا، فهي التي تساعدنا على فهم طبيعة هذا الواقع وكيف نتعامل معه وكيف نتحكم فيه، وبالمطالعة سيتولد لدى الإنسان وعي يمكنه من ابتكار وسائل تحد من إدمانه على الفضاء الافتراضي.

*كاتبة وإعلامية جزائرية

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في