: آخر تحديث

كيف تعلّمُ الشعوبُ الحيّة أجيالَها القادمة؟

90
73
75
مواضيع ذات صلة

من المؤكد ان أولى الخطوات السليمة الراكزة لبناء جيل جديد في مراحل التعليم المبكّر هو ان يتساوى كل الطلبة في تعليمهم الأساسيدون اية اعتبارات أو امتيازات بين طالب وآخر مهما كان نوعها ؛ فترى ابن العامل البسيط يجاور ابن الوزير وابن مهندس النظافة " الذي نسميه نحن " زبّالا وكنّاسا " تحقيراً له مع شديد الأسف ونلحظهم يجلسون في مقعد مشترك وبِـمنضدة واحدة مع ابن الأكاديميالجامعي او الطبيب او السياسي العريق طالما صرنا سواء في دولة المواطنة والمدنية التي ترفض الاعتبارات الدينية والعرقية من ناحية اللون والجنس وتجعل الناس سواسية مثل أسنان المشط كما تقول مأثوراتنا النبوية .

ففي الأنظمة المتقدمة الراقية ؛ يُلحق هؤلاء الطلبة كلهم بمختلف أعراقهم ومنبتهم ومحتدهم الأصلي الذي جاءوا منه  ويتعلمون في مدارس ذات نظام واحد في نهجها ومناهجها فلا توجد مدارس خاصة للنخبة في التعليم الأساسي المبكّـر الذي يتراوح أمده الأربع سنوات في معظم دول العالم المتمدن .

بعد ذلك يتم تقسيم الطلبة وفقا لنسبة ذكائهم بدءا من مجتهدين جدا ( متوقدو الذهن ) ثم الأقل اجتهادا ( الأذكياء ) ثم المتوسطي النباهة وأخيراً الضعفاء .

وتبعا لهذا الفرز يتم إرسال متوقدي الذهن والأذكياء إلى مرحلة التعليم الثانوي .

متوسطو النباهة يودعون في المدارس المهنية ( صناعة وزراعة وتجارة كهرباء وتعليم حرفي ... الخ )

اما الضعفاء الواهنون دراسياً فيتم انضمامهم الى مدارس خاصة لزيادة وعيهم ورفع مستوى قدراتهم العقلية ، فلا احد من الطلبة مهما كان مستواه يمكنه ان يتسرب من الدراسة ؛ اذ يعتبر ترك التعليم من المحرّمات الكبرى ، لكن يحق للطالب الذي أبدى نشاطا ملموسا في حقل تعليمي ما ؛ يمكنه أن ينتقل الى حقلٍ معرفي او مهنيّ آخرلزيادة مهارته وتحسين مستواه ، اما من أبدى تراخيا وضعفا سيتم نقله الى مستوى أقل مما كان عليه ولو كان مجتهدا في السابق ، فالأهم الأهمّ الاّ ينقطع الطالب عن المدرسة ولا يتسرب منها إطلاقا ؛ اذ ان أمد الدراسة الإلزامي يكون تسع سنوات بعد انتهاء التعليم الابتدائي البالغ أربع سنوات غير قابلة للنقص مهما كانت الظروف من اجل وضع قاعدة تعليمية ومهنية ترسخ في ذهنه وتكون مرتكزا لحياته المقبلة .

وفي حالة غياب الطالب خلال هذه السنوات التسع الإلزامية تقوم الجهات التعليمية بالاستفسار عن سبب الانقطاع وتُسائل وليّ أمره حتى لو كانت فترة الانقطاع يوما او ساعات معدودة ، والويل الويل للطالب الذي يترك الدراسة عامدا خلال الفترة الإلزامية حيث يتمّ جلبه وإحضاره من قبل الشرطة واستدعاء علماء النفس والاجتماع لمعالجة سبب التسرب الدراسي فإن كان السبب من جرّاء الأسرة فيتمّ وضع الحلول اللازمة ومعالجة الأمر وإعادة الطالب الى مقاعد الدراسة وهذا ما لمسناه طيلة فترة تواجدنا هناك سنوات الاغتراب حينما زججنا أولادنا في مدارس التعليم الأساسي .

وان تعذر الحل وتزمّـتَـت الأسرة في ترك ابنها سائباً دون ان تعبأ بهسواء واصل دراسته ام  لا أو كونها هي السبب في نزوع الطالب للإفلات من المدرسة فيؤخذ الطالب من أبويه عنوةً وتطويعه على مواصلة المواظبة على التعلّم من قبل الدولة وتهيئة الظروف المناسبة له كي يواصل تعليمه ويبقى رهين الدولة في أقسام داخلية توفّر له الأجواء المناسبة لتأهيله مستقبلا لو تعذّر عليه ان يعيش ضمن أسرتهالمربكة وغير المستقرّة ، وهنا كان لزاما على الدولة ان توفّر له الطعام الصحي والاستقرار النفسي والاجتماعي مع بقية أقرانه الطلبة وتهيئة فرص الترفيه وممارسة الرياضة ، وهي حقٌ من حقوقه ليكون إنسانا سويا مؤهلا للدخول الى الجامعات المنتشرة في كل الأرجاء حتى في المدن الصغيرة وبكافة التخصصات المتاحة .

وحالما يتخرج الطالب يزجّ في العمل الميداني التطبيقي فترى الطبيب الذي أكمل مراحل تعليمه يعمل في دور المُسنين والمُقعدين إضافة الىعمله في مشافي الأمراض العقلية والنفسية ليرى بأمّ عينه مدى احتياج العاجز والمقعد وفاقد العقل والمصاب بلوثة نفسية الى الرعاية والاهتمام ليهذب أخلاقه أكثر ويتقن الحنوّ والرحمة على مرضاه ولا يأنف من تنظيف القيوح والأدران والفضلات التي تخرج من جسد المريض والشيخ الواهن بيديهِ دون ان يشمئزّ أو يتذمّر ويستمر بهذا العمل الميداني والتنظيف بنفسه دون مساعدة احد من كوادر التمريض والمنظفين لمدة ثلاثة شهور على الاقلّ .

وكذا الحال بالمهندس المتخرج توّا حيث يقحم نفسه مع العمّال في حمل الأنقاض وعزلها او رفعها وتسوية الأرض أو ايّ شأن ميداني يتطلب ان يشمّر عن ساعديه ليقوم مقام العامل غير الماهر .

ففي العالم المتمدن يقترن العلم بالعمل اليدوي وتتحدّ النظرية مع التطبيق وهذا هو الأسلوب السليم في خلق جيل واعٍ معطاء ليشيّد ما بدأه الأولون ويكمل بناء وطن معمور وناهض بناءً فوقيا وتحتيا ، فالإنسان هو مُرتِّبٌ للحاضر وواضعٌ لبنة المستقبل ولا تمايز بين فرد وآخر في العِرق او اللون الاّ فيما يقدّم ويبتكر من عطاء وإبداع وصنع جديد ومفيد وكلهم متساوون في الحقوق والواجبات وأمام القانون فلا مدارس خاصة تختلف عن الحكومية في مراحل التعليم الأساسي الإلزامية البالغة تسع سنوات زائدا سنوات الابتدائية الأربع وهذا ما لمسناه عيانا طوال مكوثنا ورحلتنا القسرية عن بلادنا في سنيّ التسعينات التي قضيناها هناك وتعلّم أولادنا في مدارسهم .

ليس عيبا ان نستهدي بتجارب الشعوب الحيّة المتقدمة وخاصة عندما يتعلّق الأمر بتعليم وتأهيل أولادنا وقد آن الأوان ان نطلب العلم من العالم الناهض المتمدن كما طلبها رسولنا الكريم من الصين قبلاً ، وخاصة اننا نتألم الان حينما نرى تدنّي نسبة النجاح عندنا في مرحلتي التعليم الابتدائي والمتوسط بشكل مخجل حقاً أملاً في إعداد جيل مقبل راقٍ بتعليمه نأمل فيه خيرا لبناء أوطان مزدهرة ومواطنة صالحة ذات شأن مستقبلاً كما كانت قبلا ناهضة نسبياً قبل بضعة عقود .

[email protected]


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي