تقدم المجتمعات و الدول بالشكل الذي نراه اليوم
هو نتاج عاملين مهمين هما دخول عصر الصناعة الذي نقل المجتمعات من البدائية الي الحداثة من عصر الاقطاع حيث الزراعة الي عصر الصناعة و حياة المدينة .. ( لقد فصل القرآن الكريم بشكل دقيق بين القرية و المدينة من حيث التنوع و التقدم).
و العامل الثاني هو الفصل بين الدين ( الإقطاعي الكنسي ) و الدولة ( المؤسسات ) و القطع مع الماضي الذي أعطي سلطة مطلقة للعلم التجريبي الذي أنتج العجلة و البخار و البارود و السفينة ثم الطائرة ليعبر المحيط .. بل و يقتل سكان القارات الجديدة و ينهب ثرواتها و يعود بها لأوروبا و ينشر لغته الانجليزية و الاسبانية و الفرنسية في تلك القارات و في ارجاء العالم.
من ميزات عصر النهضة نهاية عصر الاقطاع و انتشار مناخ الحرية ؛ و في نتاج مناخ الحرية يتقدم الفلاسفة و المثقفون مثل جان حاك روسو و النحاتون و الرسامون مثل دافيتتشي و لوحته المونوليزا لتشكيل حضارة كاملة بما فيها الفن و الثقافة و الرياضة و جودة الحياة، مازلت مستمرة حتي اليوم ..و بسبب مناخ حرية تحرك العقل لينتج ثورته . فالكهرباء ثورة علمية .. و الطباعة و علوم الفضاء التي مكنت الانسان ان يذهب للقمر و يرجع سالما دليل منهج علمي صارم و ناجح اثمر التقدم الذي تحياه الدول و المجتمعات الغربية اليوم.
و تظل المنطقة من افغانستان الي موريتاتيا بدون نموذج جديد قابل للتطبيق .. فالدين الإسلامي هو منهج حياة لا ينفع معه الفصل بين الدين و الدولة،
و لا يمكن نقل النموذج الغربي دون الاصطدام بالدين الإسلامي و خاصة الخطاب الديني الذي هو اجتهاد البعض لفهم النص و ليس الدين.
فهنالك فرق كبير لا يدركه كثيرون بين الدين ( باعتباره تنزيل و ايات محكمات ) و بين الخطاب الديني الذي هو فهم الناس للنص .. الخطاب الذي الذي اقفل الاجتهاد منذ الخلاف بين ابن رشد صاحب نظرية العقل و الغزالي صاحب نظرية النقل و انتصار الثاني على الاول .
فأصبح استعمال صنبور المياه ( الحنفية ) في الوضوء يحتاج لعقدين من الزمن حتي يفتي المفتي بجوازه . و مازلت القصة تتكرر الي يومنا هذا.
ففي الوقت الذي ينتج فيه الغرب الامصال و اللقاحات و الروبوتات و الجيل الخامس من الاتصالات مازلنا نسال كل عام .. هل نصوم وفق الرؤية ام وفق الحساب الفلكي ؟... هل نخرج زكاة الفطر نقدا ام تمر و شعير . هل الحجاب فرض ام عادة.. و في دائرة مفرغة من الجدل؟
كلها أسئلة تعكس حالة الجمود الذي وصل اليه العقل العربي و الاسلامي في ظل عالم يتطور و يتجدد كل صباح.
العامل الاخر المهم و على الصعيد الاقتصادي لم تدخل المنطقة التدرج الطبيعي في سلم الحداثة فلم تدخل عصر الصناعة و التقدم التقني و توطين المعرفة بل و زاد الطين بلة اكتشاف النفط في ارض العرب نتج عنه نمو اقتصادي و ليس تنمية.. فالتنمية لها علاقة بالبشر.
و البشر بدون اساس نظري و مشروع ثقافي اصيل اصبح يتخبط بين النكوص للماضي و الحياة في عام القرن الواحد والعشرين بديكور القرن الرابع هجري .. يبكي علي الاطلال .. أو بين الأنبطاح لقشور مدنية
و حضارية لم يساهم في إنتاجها فهو أشبه بالمثل
( طبال محادي قافلة ).
و يبقي السؤال الفلسفي الذي لا توجد له إجابة اليوم
و هو: كيف نكون عربا و مسلمين و معاصرين؟
سؤال تصدي له كثيرا من المفكرين العرب حديثا منذ محمد عبده و مالك ابن نبي و كان اخرهم المفكر الليبي الصادق النيهوم ... نسف الجميع الخطاب الديني القديم و تفننوا في انتقاده و لم يطرحوا بديلا ... ليبقي السؤال قائما .. سؤال النهضة دون اجابة الى حين.