: آخر تحديث

حماية تسبق الشكوى: الهيئة تعيد تعريف علاقة المستهلك بالخدمة الكهربائية

1
1
0

كوثر الأربش

حين تتقدّم الخدمة خطوة نحو المواطن قبل أن يخطو هو إليها، هذا ما يحدث حينما يكون المسؤول إنسانًا أولاً.

في زمن تتسارع فيه التقنيات وتتزايد فيه احتياجات الناس. يبقى السؤال الأهم: كيف نحفظ حق المستهلك قبل أن يطالب به؟

تأتي الهيئة السعودية لتنظيم الكهرباء لتقدّم إجابة مختلفة، وإجابة متفائلة، وإجابة تسير نحو المستقبل بخطوات عملية. فقد أطلقت نموذجًا جديدًا لحماية المستهلك قائمًا على الفكرة الأبسط والأكثر عمقًا في الوقت ذاته: أن يشعر المواطن بأن من يخدمه يراقب جودة الخدمة نيابة عنه، ويدافع عن حقه قبله.

هذا النموذج ليس إجراءً تقنيًا عابرًا، ولا تحسينًا صغيرًا في رحلة الخدمة؛ بل هو انتقال كامل نحو مفهوم جديد للعلاقة بين المستهلك ومقدّم الخدمة. علاقة لا تبدأ بالشكوى، ولا تتأسس على المتابعة المرهقة، بل تُبنى على الثقة، وعلى مراقبة ذكية لحظية تتعامل مع أكثر من 11 مليون عدّاد ذكي، وترتبط بـ 13 نظامًا تشغيليًا تعمل بتناغم داخل منصة موحدة.

إنه مشهد يشبه غرفة تحكّم ضخمة تنبض بالضوء، تقرأ حركة المدن والبيوت، وتتحرك فورًا كلما تعثّر عدّاد أو تأخّر طلب، قبل أن يشعر صاحب المنزل بالقلق أو يتجه لرفع صوته.

وقد جاء هذا النموذج بعد رحلة عمل متعمّقة وصلت إلى أكثر من 3000 ساعة، و15 ورشة مشتركة مع مقدمي الخدمة، و1500 مقابلة مع مستهلكين من 35 مدينة ومحافظة، بالإضافة إلى مئات الآلاف من الاستبيانات وزيارات “المستهلك الخفي”.

كل تلك الجهود لم تكن مجرد أرقام؛ كانت مرآة واسعة صافية عكست الواقع الحقيقي لتجربة المستهلك، بكل نقاط الضوء والظل، وبكل ما يستحق الإصلاح.

ومع إطلاق النموذج الاستباقي، تغيّر كل شيء.

فبدلًا من أن يبدأ الحلّ بالشكوى، تبدأ الهيئة بالحلّ قبل الشكوى.

وبدل أن يتابع المستهلك حالة طلبه، تتابع الهيئة من أجله.

وبدل أن يبحث عن التعويض، يصله تلقائيًا دون طلب أو مراجعة.

يحدث ذلك في خمس رحلات رئيسية تُعدّ الأكثر تأثيرًا على حياة الناس اليومية: الانقطاعات، إيصال الخدمة، الفوترة، الطلبات، والشكاوى.

وفي كل رحلة تقف الهيئة كمحامٍ حقيقي للمستهلك، لا ينتظر مناداة، ولا يُطلب منه إثباتات أو متابعات، بل يرصد ما يحدث ثم يتدخل.

إنها حماية لا تعتمد على صوت المستهلك، بل على بيانات دقيقة تتحرك في لحظتها، وعلى نظام يقرأ المشكلات قبل أن تتحوّل إلى شكاوى، ويخفف آثارها قبل أن تتحوّل إلى معاناة.

وقد بدأت أولى خطوات التطبيق في محافظة الأحساء، على أن يمتد النموذج تدريجيًا ليغطي جميع مناطق المملكة بحلول عام 2026.

وفي هذا التدرّج ما يشبه زراعة شجرة كبيرة في أرض واسعة؛ يبدأ غصنًا واحدًا، ثم يمتد، ثم يمنح ظله للجميع.

إن نموذج حماية المستهلك الاستباقي ليس مشروعًا تنظيميًا فحسب، بل هو إعلان واضح عن مرحلة جديدة في الخدمات العامة، مرحلة لا يُتوقع فيها من المواطن أن يسعى خلف حقه، بل يتوقع من الجهات أن تصل إليه، وتطمئنه، وتختصر رحلته، وتعيد إليه ثقته بأن الأنظمة خُلقت أصلًا لخدمته.

وما بين أرقام العدّادات التي تُقرأ لحظيًا، والتقنيات التي تعمل دون توقف، وفرق العمل التي تحلل وتتدخل، يتشكل مستقبل أكثر إنصافًا ووضوحًا.

مستقبل يُعامل فيه المستهلك بوصفه قلب الخدمة لا طرفها الأخير، وبوصفه صاحب حق لا صاحب شكوى.

هو نموذج يكتب بداية جديدة، ويقول ببساطة شديدة وواضحة:

إن حماية المستهلك ليست ردة فعل.. بل خطوة استباقية تبدأ قبل أن يطلبها أحد.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد