خالد بن حمد المالك
غادر الرئيس ترمب المنطقة منتشياً على أنه حقق إنجازاً تاريخياً لم يُسبق إليه، وأنه وضع منطقة الشرق الأوسط أمام مشروع سلام لا يمكن أن يتكرر، وزاد على ذلك بالقول إنه منع أن تكون هذه المنطقة بداية لحرب عالمية ثالثة، وبدأ يتحدث بابتهاج عن نصر تاريخي كبير تحقق بفكره وجهده وعلى يديه، وأضاف: إن خطته للسلام تنهي حروباً أثرت على أمن واستقرار المنطقة، وأنها الآن على موعد مع الازدهار والتعاون والتآلف.
* *
كان الرئيس الأمريكي متفائلاً، وفخوراً بإنجازه، ومقتنعاً بأن الحرب توقفت فوراً، وأن السلام حل بين الخصوم، وأن لا صراع بعد ذلك، وأن الجميع ساعدوه في ذلك، وشاركوه في جهده، وتناغموا مع توجهاته، وسرّهم ما سرّه، وقابلوا ما حدث بالرضا والفرح، وأن لا خوف من فشل لخطة السلام التي بشّر بها، وأقنع العالم بالتجاوب معها، ودعمها، وشاركوه في حضور التوقيع على وثيقتها.
* *
لكن الرئيس الأمريكي تعمّد أو نسي أو خفي عليه أن إسرائيل هي الطرف الآخر في الموافقة على الخطة، وأنها طرف معاند ومخادع، ولا يؤمن جانبها، ولديها أجندة عدوانية وتوسعية واستعمارية، ولا تؤمن إلا بالحروب، والقوة، وفرض مصالحها على حساب مصالح الفلسطينيين وجيرانها، وأنها بسياساتها تستقوي بالولايات المتحدة الأمريكية، وأن وحشيتها وشراستها زادت مع عودة الرئيس ترمب نفسه إلى البيت الأبيض، حيث زود الجيش الإسرائيلي بأكثر الأسلحة الأمريكية تطوراً لضرب قطاع غزة، وأن الجيش الإسرائيلي كان على مستوى كبير في استخدام هذه الأسلحة والتعامل معها بامتياز على حد قول الرئيس ترامب.
* *
مطلوب من الرئيس الأمريكي، الذي ينسب لنفسه أنه قبل إطلاقه خطة السلام هذه التي أنهى بها الحرب في قطاع غزة، كان قد أنهى سبع حروب لتكون حرب غزة هي الثامنة، وأنه سوف يستخدم القوة ضد أي طرف يُخالف ما تم الاتفاق عليه، ليمنع بذلك عودة الحرب، ويحمي الأبرياء من القتل الممنهج، وخاصة من الجانب الإسرائيلي الذي مارس جيشها الويلات ضد شعب أعزل، ولم نسمع من الرئيس الأمريكي كلمة واحدة يدين فيها أياً من ممارساتها غير الإنسانية، أو أنه سوف يتعامل مع خروقاتها بعد إعلان خطته وبدء تنفيذها تعاملاً قوياً، وثم لن يتركها تُفلت من العقاب.
* *
لقد أسعدنا إيقاف الحرب، لأن أحداً غير ترمب لا يمكن أن تقبل به إسرائيل لإيقاف عدوانها، وأن لا أحد غير ترمب يمكنه أن يمنع إسرائيل من عدم الالتزام بما وافقت عليه، وليس هناك من هو قريب من إسرائيل، وتثق في محبته لها، ودفاعه عنها، كما هو ترمب، وقد خصه رئيس الوزراء نتنياهو بالقول: إنه أعظم رئيس لأمريكا في التاريخ دعم وساعد وعاضد إسرائيل، وثم ندعو فخامته إلى إلزام تل أبيب بالسماح بعبور شاحنات المواد الغذائية والصحية، ووقف القتال، ومنع اقتحام بيوت الأسرى في الضفة الغربية الذين تم إطلاق سراحهم مؤخراً بموجب خطة السلام.
* *
نريد للرئيس الأمريكي أن يكون رجل السلام الأول، وأن يُوسّع محبته لتشمل شعوب العالم، وألا تقتصر على الشعب الإسرائيلي حصراً، نريده أن يتمّتع بكل الأصوات في العالم المؤيدة لترشيحه لجائزة السلام القادمة، عوضاً عن أن يكون الترشيح من نتنياهو، وهو مؤهل للفوز بها متى وقف فخامته على مسافة واحدة من الإسرائيليين والفلسطينيين، وأيّد إقامة دولة للفلسطينيين على حدود 1967م وعاصمتها القدس الشرقية اصطفافاً مع حوالي 160 دولة اعترفت بها، نريده أن يكون قائداً ملهماً للعالم، ورجل سلام لا منافس له، وهذا يتحقق متى كان عادلاً ومنصفاً وواقعياً، ومتى تصرف بعقله لا بعاطفته، وألا تؤثر فيه أكاذيب من يديرون إسرائيل بعنصريتهم، وجرائمهم، وتعاملهم غير الإنساني وغير الأخلاقي مع شعب تحت الاحتلال.