كانت زيارتي الأخيرة إلى إمارة عجمان قصيرة في الزمن، لكنها طويلة في الذاكرة، فكل زاوية من هذه الإمارة تستفز الحنين وتستدعي التفاصيل، وتفتح فينا أرشيفًا بصريًا لا يُمحى.
هناك، تذكّرت تلك الجملة التي كانت تختم المسلسلات في الثمانينات والتسعينات، حين كان المشهد يبهت تدريجيًا وتظهر العبارة المألوفة: «تم التصوير في إستوديوهات عجمان الخاصة».
جملة بسيطة، لكنها أصبحت مع مرور الزمن جزءًا من وعينا الجمعي كجيلٍ عربي عاش زمن الدراما الصادقة قبل أن تغزونا السرعة والسطحية.
إستوديوهات عجمان لم تكن مجرد موقع تصوير، بل رمزًا لمرحلة إعلامية كاملة سبقت زمنها، حين افتُتحت عام 1980م، لتكون أول مدينة إعلامية متكاملة في المنطقة، كانت الإمارة آنذاك تقول للعالم -بطريقتها الهادئة- إن التنمية لا تعني البنى التحتية فقط، بل الثقافة، والإبداع، وصناعة الصورة.
على أرضها صُوِّرت أعمال عربية خالدة مثل (الشهد والدموع ودعوة للحب والأحباب والمصير)، وكان يُمهّد لكل عملٍ منها التوقيع الذي صار علامة زمنية: «إستوديوهات عجمان تقدّم…».
أما العمل الذي بقي عالقًا في وجدان جيلنا فهو مسلسل «وتوالت الأحداث عاصفة»، الذي خرجت منه الجملة الأشهر في الذاكرة العربية: «أنا البرادعي يا رشدي»؛ تلك العبارة التي تجاوزت كونها حوارًا دراميًا لتصبح جزءًا من الذاكرة الشعبية العربية.
ولأن الفن لا يعرف الحدود، احتضنت عجمان أيضًا بدايات الدراما السعودية في حقبة الثمانينات، فكانت شريكًا فنيًا في أعمال سعودية مثل (أصابع الزمن، ولا يحوشك حبروك، وخيوط من الوهم، والغربال)، كانت مرحلةً ذهبية من التكامل الثقافي الخليجي، جمعت الفنانين والكتّاب في فضاءٍ واحد، حيث كانت الكاميرا الخليجية تولد من رحمٍ عربيٍّ واحد.
هذا الإرث العظيم لم يكن ليُكتب لولا رؤية القيادة في عجمان التي آمنت منذ البدايات أن الثقافة والإعلام جزء من التنمية الوطنية، فأضحت عجمان التي تخطط للمستقبل برؤية واضحة في هذا الزمن، اسماً خالداً بذاكرتنا، فحين تُذكر الجملة التاريخية «تم التصوير في إستوديوهات عجمان الخاصة»، يعود إلينا صوت الماضي، وتعود معنا البساطة، والصدق، والدهشة الأولى أمام الشاشة.
إنها ليست مجرد إمارة، بل صفحة مضيئة من ذاكرة الفن العربي، وحكاية لرؤية إعلامية سبقت عصرها وصنعت أثرًا لا يُنسى.