: آخر تحديث

هوة القوة

2
2
1

سهوب بغدادي

«خليك قوي» «أنت قوي» عبارتان تترددان في مواضع عديدة ومختلفة الأُطر فقد نسمعهما في السياق المهني والتعليمي والأسري والأسوأ من ذلك كله في التربية، حيث يستخدم البعض مرادفات العبارة ومعانيها كالتربية بالقسوة والشدة ظنًا منهم أنَّ تجنب اللين والرخاوة ينتجان أطفالاً يعتمد عليهم، ولسان حال المربي أنني أحضِّر الطفل لقسوة العالم الخارجي والمستقبل! بغض النظر عن كون الأسرة والوالدين الركيزة الراسخة لمعاني الأمان والاتزان النفسي في حياة الفرد النامي، فإن اختل الأمان سقط كل شيء معه، وأقصر طريق إلى العبث في تكوين ونشأة الطفل أن تُقال له تلك العبارات الرنانة خارجيًا والهدامة داخليًا، على سبيل المثال لا الحصر «لا تبكي أنت رجال» عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قَالَ: قالَ رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لا يَلِجُ النَّارَ رَجْلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّه حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ في الضَّرْعِ، وَلا يَجْتَمعُ غُبَارٌ في سَبِيلِ اللَّه، ودُخَانُ جَهَنَّمَ» رواه الترمذي.

في إطار التعاملات الشخصية والمجتمعية، يعد بعض الأشخاص تصنع الشدة والغلظة، بل رفع الصوت والعصبية في المواقف» ياخذهم بالصوت» بهدف إنهاء الجدال وتقصير الحوار وبث الخوف في نفوس من يواجههم، بالعودة إلى السياق التربوي، يتبع الآباء والأمهات هذا النهج لكسب خوف الأطفال لا احترامهم وحبهم، وبالنسبة للشخص في تعاملاته فإن الطريقة قد تكون نافعة في أغلب الحالات لكي يكفي الآخر شره، إلا أنه سيخسر المحبة والرفقة الممتدة وكثير من الاجتماعات السعيدة والمناسبات التي يتجنب أصحابها تلك الشخصية الملتهبة أو القابلة للاشتعال، جاء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» متفق عليه.

ختام القول، إنّ الشخصيات تتعدد والأحوال والأطوار والمشاعر تتقلَّب وتتشكَّل بتشكّل المحيط والظروف وما إلى ذلك، إلا أنَّ الاتزان بين الشدة واللين أولى في التعاملات الإنسانية وتأصيل مبدأ المودة والرأفة والتراحم بين الخلائق، أما ما يتعلَّق بالتعاملات المهنية فالموقف كفيل بأن يبدّي التعامل الأصح فاللين والقسوة في غير موضعهما قد يأتيان بنتائج عكسية، إنّ تقييم الحالة ووضع سيناريوهات محتملة لكل من اللين والقسوة وما بينهما قد يساعد الشخص على الحكم في المواقف صغيرها وكبيرها، جعلنا الله وإياكم ممن ورد في حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بمن يحرم على النار، أو بمن تحرم عليه النار؟ تحرم على كل قريب هين لين سهل».


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد