: آخر تحديث

فهد اليوسف.. ما له وما عليه

4
4
3

قبل انغماسه الكلي في واجبات وظيفته الحساسة، قادت قدما النائب الأول لرئيس الوزراء، وزير الداخلية، الشيخ فهد اليوسف، إلى معرض الكتاب، الذي أقيم قبل بضعة أشهر على أرض المعارض، حيث أطلق تصريحاً أثار في حينه استغراب الكثيرين، ملخصه أنه لم يقرأ أي كتاب في حياته!

ما ذكره وزير الداخلية ينطبق على أكثر من 90% من الشعب، والأمة العربية، فقراءة الكتب في مجتمعاتنا هي الاستثناء، فوق أنها، برأي «النخبة»، ذات تأثير سلبي في أفكار ومعتقدات من يدمن عليها، لما قد تسببه من تغيير في التفكير، وتقبّل المختلف. لذا نجد أن غالبية رجال الدين يميلون إلى نصح أتباعهم بعدم القراءة، وسبق أن قال محمد متولي شعراوي، الأكثر تأثيراً في عصره، إنه لا يقرأ غير كتاب واحد، وطلب من مريديه أن يفعلوا مثله.

* * *

احتكاكي البسيط بوزير الداخلية، ومعرفتي المتواضعة بشخصه، بيّنا لي أن هناك جانباً آخر فيه يتسم بقدر كبير من الرحمة، والمنطق والذكاء، ولست مجاملاً هنا، ولم أكن، فلن أبتغي، ولم أبتغِ منه يوماً شيئاً، وبالتالي هذا رأيي الصادق والصريح، كما أنه سريع الغضب، وهذا ربما يُؤخذ عليه، وغالباً السبب وراء شكواه المستمرة من آلام القولون.. العصبي، مثل الكثير منا.

فاجأ هذا العسكري الصلب، بسيرته وانضباطيته، الكثيرين بمعرفته بأمور ومهارات لا يجيدها من قرأ عشرات الكتب، كما بينت الكثير من تصرفاته وقراراته. إضافة لإجادته للأمور السياسية، التي لم يسبق له أن مارسها، بمثل إجادته للأمور الأمنية. ومن اختاره لمهمته تلك كان يعرف تلك الخصال فيه، وهي التي جعلته تالياً الشخصية السياسية «الأقل محبة» وقبولاً لدى البعض، ولا يلامون على ذلك، والشخصية «الأكثر محبة»، لدى البعض الآخر، ولهم أسبابهم، وهذا ربما لم يسرِ يوماً على أي من السياسيين، الذين سبقوه في منصبه، أو حتى غيرهم. ورأينا الأمر ذاته في قراره الأخير المتعلق بزيارة الولايات المتحدة، ولقائه بكبار مسؤولي الإدارة الأمريكية، من خارجية وداخلية وأمن ومخابرات، وعقد الاتفاقيات معهم، وكانت الزيارة، بكل المقاييس، غير مسبوقة، ولم يفكّر في القيام بها أي مسؤول حكومي ممن سبقوه، ولم يتردد في القيام بها، بالرغم من كل معوقاتها.

لكن ما يستحق الإشادة أكثر، في نظري، من أي أمر آخر، الضبطيات الأخيرة، القوية والمتتالية لمهربي المخدرات والممنوعات، للداخل، ولمهربي الديزل والسجائر ومواد التموين المدعومة، للخارج، والأهم من ذلك، وفي ظاهرة جديرة بالملاحظة، زيادة أعداد العسكريين المتورطين في هذه الجرائم، والخطيرة منها بالذات، خاصة أن زيادة أعدادهم لا تعني شيئاً جديداً، فربما كان الوضع كذلك دائماً، وكان بانتظار تسلّم من يمتلك القوة والحزم وذكاء فهد اليوسف، ليتخذ قرار ضرب أوكارهم، وعدم التستر عليهم. ورأينا الأمر ذاته في وضع السجن المركزي، الذي كان مصدر «إرهاب وفساد» بدلاً من أن يكون مؤسسة عقابية، مع كل ما يشاع عن استمرار وجود تسيّب في ما يتعلق بطريقة معاملة بعض السجناء بدرجة خمس نجوم! إضافة لدوره في كشف عشرات آلاف حالات مزوري الجنسية، وغيرها من الجرائم، التي تطلّب أمر القيام بها دعماً معنوياً كبيراً يسندها، ويدفع بعدم التهاون في كشف «خمال» السنوات الطويلة الماضية من دون أية محاباة.

وفي الختام، أتمنى على معالي الوزير الطلب من «العلاقات العامة» التوقّف عن نشر أسماء وصور وجوه «المقبوض عليهم»، في أية جريمة كانت، فهم لا يزالون في مرحلة الاتهام، وليست الإدانة.

أنا على شبه يقين بأن إحساسه بالعدالة سيدفعه غالباً لتلبية الطلب، فشكراً.. على أية حال.


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد