خالد بن حمد المالك
يتحدث رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو عن أن ما تلى أحداث السابع من أكتوبر من عدوان إرهابي إسرائيلي واسع النطاق على ما أسماه سبع جبهات غيَّرت وجه الشرق الأوسط، بمعنى أن إسرائيل كما يُفهم من كلامه قد أصبحت هي القوة العسكرية الضاربة في المنطقة، وهو بذلك لم يقل ما هو خارج الحقيقة والواقع.
* *
ففي إيران ضُربت بالعمق، ولم تعد قادرة على التلويح بالسلاح النووي، أو أن تكون في حالة تهديد لمن يمس مصالحها، وضُعف دورها في دعم حزب الله والحوثيين، وسقط دورها في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، واختفى دعمها مبكراً لحركة حماس، وهذا ما عجَّل وسرَّع بمبادرة إسرائيل لمهاجمة إيران، مستفيدةً من إفرازات أحداث السابع من أكتوبر.
* *
وفي سوريا تم القضاء على كل التنظيمات المدعومة من الخارج، وكانت تُشكِّل صداعاً لإسرائيل، لكن سقوط نظام بشار الأسد الذي كان يتبنى وجودها في سوريا لحمايته من غضبة الشعب، ومن إنهاء نظام حكمه، ساعدت الأجواء ليحدث ما حدث، وليقوم جيش العدو باحتلال أراض جديدة.
* *
وفي لبنان قضت إسرائيل على غالبية السلاح الذي لدى حزب الله، وقامت بتصفية قياداته في الصفين الأول والثاني، بما في ذلك أمين الحزب حسن نصر الله، وضربت مواقعه ومخازن سلاحه، واحتلت مزيداً من الأراضي اللبنانية، دون رد فعل، أو مقاومة من الحزب.
* *
ومع الحوثيين، حققت ضربات الجيش الإسرائيلي أهدافها، وكانت تلقي بحمم قنابلها على المواقع الإستراتيجية للحوثيين، بما فيها المنافذ البحرية منعاً لوصول الأسلحة من حلفائهم في الخارج، فيما كانت الضربة الأقوى والأشد حين هاجم الجيش الإسرائيلي اجتماعاً ضم رئيس مجلس الوزراء ونائبه وعدداً من الوزراء وقتلهم جميعاً، مستفيداً من المعلومات الاستخبارية.
* *
أما الأنكى والأصعب والمأساوي فهو ما حدث في قطاع غزة، فقد قتل قادة حماس والجهاد والفصائل الفلسطينية الأخرى، وحُوِّل قطاع غزة إلى أرض بلا حياة، وإلى ركام من الأحجار، وجبال من أنقاض المباني، وأُجبرت حماس على القبول بخطة ترمب بعد أن أصبحت الخطة هي الخيار الوحيد المتاح أمامها.
* *
هذا هو الواقع بعد مغامرة حماس في السابع من أكتوبر، بما دفع الشعب الفلسطيني حياته، بين قتيل ومصاب ومهجَّر، وتحويل غزة إلى قطاع منكوب، وإلى مستقبل غامض، وسواء شئناً أم أبينا فلا يمكن لنا أن ننكر الواقع، أو نقول بما يخالف الحقيقة، بينما مشاهد ذلك يتم عرضها أمام أنظارنا مباشرة، ومن مسرح العمليات.
* *
لكن نتنياهو إن صدق في هذا، فهو كذّاب في أخريات، فهو لم يتحدث عن أن إسرائيل أصبحت في عزلة لأول مرة على مستوى العالم منذ قيام الكيان الإسرائيلي، وأن تصحيح هذا الموقف الدولي من إسرائيل، وهذه الصورة من سياساتها يحتاج إلى عمل كبير، وفترة زمنية طويلة، وأثمان فوق قدرة إسرائيل على امتلاك الأدوات لإقناع العالم بها.
* *
نتنياهو لم يقل إنه عجز بالحرب عن تحرير الرهائن لدى حماس، على مدى عامين من حربه ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وإن حماس ظلت محتفظة بالأحياء والأموات منهم في أماكن آمنة لم تستطع إسرائيل الوصول إليها، رغم استخدامها لكل الوسائل لتحريرهم، ورغم وعود حكومة نتنياهو لذويهم بأنها سوف تحررهم بالقوة وبالضغط من قبضة حماس.
* *
نتنياهو تجاهل أنه فقد من عناصر جيشه أكثر من 1600 بين ضابط وجندي، وأصيب أكثر من هؤلاء بكثير، وهو ما لم يفقد مثل هذا العدد في كل حروبه السابقة مجتمعة، فضلاً عن أن حروبه كانت تتم لأيام، بينما امتدت هذه الحرب إلى سنتين، ما اضطر إسرائيل وحماس بعد إنهاك الحرب لهما للقبول بوضع حد لها، وفقاً لخطة ترمب.
* *
نتنياهو لم يكذب فيما صرَّح به، لكنه كذب بتجاهل خسائره الكبيرة، وكذب لأنه يتحدث عن تحقيق أهداف حرب إسرائيل دون أن يشير إلى أنه مجبر على الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، بمن فيهم أصحاب الأحكام مدى الحياة مقابل الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، وهو ما كان ليتحقق لولا أحداث السابع من أكتوبر.
* *
لكن بلا شك أن إسرائيل حيَّدت القوى في الدول والتنظيمات التي دخلت معها في حروب على مدى العامين الماضيين، ما جعل إسرائيل تكون أقوى، بينما تراجعت القوى الأخرى عسكرياً وتنظيمياً، وما جعل وجه الشرق الأوسط يتغيَّر لصالح إسرائيل على حد قول نتنياهو، ولكن إلى حين.
* *
ومع كل هذا، فعلى نتنياهو وحكومته المتطرفة أن يتذكَّروا أن اعتراف دول العالم بالدولة الفلسطينية سيظل يحاصرهم، وأن ما بذله ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان في هذا الاتجاه قد حقق بالدبلوماسية ما لم تحققه أحداث السابع من أكتوبر، وما تلاها من حرب إبادة وجرائم بحق الإنسانية ضد شعب تحت الاحتلال.