: آخر تحديث

هل عادت هيبة المعلم يا معالي الوزير؟

0
0
0

محمد بن عيسى الكنعان

في أمسية ثرية ضمن مجموعة من الكُتّاب كان لقاء معالي الأستاذ يوسف البنيان وزير التعليم في ديوانية كتاب الرأي، أحد أنشطة الجمعية السعودية لكتاب الرأي، وذلك قبل أكثر من سنة وتسعة أشهر، وتحديدًا يوم الأربعاء 17 يناير 2024م؛ حيث تناول معاليه بشكل واضح إستراتيجية الوزارة، وتوجهاتها بما يرتقي بالعملية التعليمية إلى أفضل المستويات المطلوبة ويتفق مع مستهدفات رؤيتنا الطموحة 2030، وكان من أبرز ما جاء في هذا الإطار حديثه عن أركان العملية التعليمية: (الطالب، والمنهج، والمعلم). وقد لفت انتباهي بذلك الحديث تأكيده بأن الوزارة تعمل على (إعادة هيبة المعلم)، التي يبدو أنها فُقدت خلال السنوات السابقة عندما كانت جهود الوزارة تركز بشكل محدد على الطالب كونه محور العملية التعليمية، وتطوير المناهج.

تذكرت حديث معالي الأستاذ البنيان وأنا أشاهد المقطع المتداول لمجموعة من المعلمين في إحدى المدارس، وهم ينتظرون وقت الانصراف من المدرسة الساعة الواحدة والربع ظهرًا تطبيقًا لنظام (حضوري)، الذي يضبط حضور المعلمين والإداريين وانصرافهم، بينما المدرسة خالية من طلابها! وهذا حال جميع المدارس مع تطبيق هذا النظام! حتى أن أحدهم كتب عبارة بما يشبه الطُرفة، قال فيها: «ننتظر المعلمين يخلصون 7 ساعات ويأخذون بناتهم من عندنا، وهم ينتظرون نخلص 7 ساعات ونأخذ عيالنا من عندهم». ذلك المقطع جعلني اتساءل عن تلك الهيبة التي تعمل الوزارة على استعادتها حسب وعد الوزير! هل تلك الاستعادة تتمثل في تمكين المعلم تمكينًا فعليًا لفرض شخصيته المؤثرة والإيجابية داخل البيئة التعليمية؟ بحيث يشعر أنه هو محور هذه العملية وإنجازها تقوم عليه، وأن تكون شخصيته أقوى بمراحل من الطالب الذي أصبح يتعامل مع المعلم بندية، وينظر إليه وكأنه مثل الآخرين، الذين يصادفهم بالشارع العام، أو يلتقيهم بالأماكن العامة، بينما هو في الواقع يحتل منزلة رفيعة تجاري منزلة والده، بحكم الجانب التربوي الذي يؤديه المعلم إلى جانب التدريس! أم إن استعادة الهيبة المفقودة تكون في منح المعلم الثقة العالية في أداء عمله، وطريقة تعاملاته داخل البيئة المدرسية؟ بحيث تتجاوز النظرة الضيقة التي تختزلها الوزارة في تقرير الانضباطية، وكأن المهم متى حضر ومتى انصرف؟ وليس ماذا أنتج؟ وما هو الأثر العائد على الطلبة؟ أم أن استعادة تلك الهيبة تكون بتعزيز موقع المعلم في العملية التعليمية، وإخراجه من دائرة المقارنات الوظيفية أو المهنية مع العاملين الآخرين، كونه يؤدي مهمتين بوقتٍ واحد على المستوى التعليمي والجانب التربوي، وهو خلاف كل العاملين بأجهزة الدولة، حيث يقوم بتأدية رسالة إنسانية ونبيلة من واقع مسؤوليته الرئيسة في تشكيل وعي الأجيال بكل تفاصيل الحياة، ووقوفه الساعات الطوال في فصل يضم 40 طالبًا، وهو يتعامل مع عقول طرية تستوعب وتفشل، ونفوس متقلبة تقبل وتنفر. ناهيك عن أن المعلم مُلزم بمنهج مجدول بوقت محدد، بينما الموظف العادي يعمل وهو جالس بمكتبه، ووفق المتاح في بيئة مختلفة، وبحرية تامة لإنجاز المعاملات وتأدية الأعمال.

بعد كل هذا؛ على وزارة التعليم الموقرة، ومعالي الوزير الذي يبذل وفريق عمله جهودًا مضنية - إن كانوا فعلًا يريدون استعادة هيبة المعلم كما في السابق (الزمن الجميل) -، عليهم ابتداءً ألا يتعاملوا مع المعلم بكونه موظفًا يُقاس أداؤه بحضوره وانصرافه وكأنه يُنجز معاملات، فالمقياس يكمن في كفايته العلمية، وقدرته التعليمية على نقل المعارف والمعلومات من المنهج الدراسي إلى عقول الطلبة، ولا يكون ذلك إلا من خلال بيئة تعليمية تقوم على تمكين الشخصية، ووجود الثقة، وتحقيق الكفاءة. فما الفائدة التي تجنيها الوزارة من بقاء المعلم في المدرسة يُقلّب جواله والمدرسة خاوية من طلابها، فقط ليكون مثل موظفي الدولة، بينما طبيعة المهام تختلف تمامًا. الانضباط مطلوب ولكن هناك آليات أكثر مرونة من ملاحقة أصوات المعلمين عبر جوالاتهم الشخصية لتأكيد حضورهم أو انصرافهم، والإشكال الأكبر عندما لا يعمل نظام (حضوري) بكفاية رقمية عالية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد