: آخر تحديث

سنجر الوالدة وتمثال الحرية

3
3
2

كانت آلة «سنجر» للخياطة، ولفظها الصحيح سينغر Singer، أي المغرد، تتواجد في بيوت كثيرة، وأتذكر اليوم أن والدي اشترى واحدة منها من محل «محمد أمين»، المعروف بـ«أمين سنجر»، وكان ذلك في منتصف القرن العشرين. في تلك الأيام لم يكن يخلو بيت من تلك الآلة، التي كانت استخداماتها كثيرة، فلا أزياء، ولا ماركات عالمية ولا خياطين هنوداً أو باكستانيين، في أفرع الجمعيات أو خارجها، بل فقط «مهري» عصامي، يحمل حقيبة ثقيلة على كتفه، مليئة برولات مختلف الأقمشة النسائية، يمر بها بين البيوت بائعاً بضاعته على الراغبين فيها.

دخلت آلة سنجر الكويت في أوائل القرن الماضي، وكانت تجلب من العراق، حيث كان وكيلها فخري السيد رجب، قبل ان يصبح «أمين سنجر» وكيلها في الكويت. وكان المربي الفاضل «عمر السيد عاصم» (الأزميري) أول من أتقن إصلاحها. ولا يزال أحفاد محمد أمين، وبعد مئة عام تقريباً، يمتلكون وكالة سنجر.

* * *

يقع تمثال الحرية الشهير على جزيرة الحرية، على المدخل البحري لمدينة نيويورك، جهة منهاتن، وطول التمثال من القاعدة لأطراف شعلته قرابة 100م، وكان الهدف من وضع التمثال في ذلك المكان هو للترحيب بالمهاجرين الجدد، الذين كانوا يهاجرون لأمريكا عن طريق البحر، من الباحثين عن الحرية وعن مستقبل أفضل، وكان التمثال رمزاً للتعاون والصداقة بين أمريكا وفرنسا، التي ساعدت الأمريكيين في حرب الاستقلال ضد البريطانيين، وجاءت فكرة بناء التمثال عام 1865 على يد المؤرخ والحقوقي الفرنسي «إدوارد دي لابولاي»، في الذكرى المئوية لاستقلال أمريكا.

وتم تكليف النحّات «فريديريك بارتولدي» بتصميمه وبنائه، ونقل تالياً بطريقة ذكية إلى أمريكا، حيث تم نصبه عام 1886، ومنذ يومها أصبح مصدر إلهام عالمياً لكل من يبحث عن الحرية، قبل ان تصبح أمريكا على ما هي عليه الآن، دولة طاردة للمهاجرين، بعد أن كانت مرحبة بكل محروم ولاجئ طوال تاريخها.

أصبح التمثال، مع الوقت وبعد مشاركة أمريكا، كمحررة، في الحربين العالميتيين، رمزًا عالميًا يمثل الأمل والحرية والديموقراطية، واستخدمته حركات اجتماعية عديدة رمزاً للنضال ضد الظلم، ومثّل حقوق المرأة، والحقوق المدنية، وحركات المساواة الأخرى، كما كان وسيلة للتحفيز خلال الحروب، حيث ظهر في دعايات تعبئة القوات، وحث الناس على الدفاع عن الديموقراطية، ومثل إرثًا إنسانيًا عالميًا يعكس القيم الأساسية للحرية والعدالة والكرامة، لكن ما علاقة ماكينة سنجر بتمثال الحرية؟

استلهم الفنان النحات «فريديريك بارتولدي» وجه التمثال لسيدة فرنسية شهيرة تدعى «إيزابيلا يوجيني بوير»، كانت تُعتبر من أجمل نساء فرنسا في القرن التاسع عشر، تزوجها إسحاق ميريت سنجر (1811 - 1875)، وهو رجل أعمال وممثل ومخترع أمريكي، وإليه يرجع الفضل في جعل آلة الخياطة جهازًا منزليًا عالميًا، فقد كان أول إنسان يصرف مليون دولار للترويج لآلته، وحصل على 13 مليون دولار نتيجة نشاطه وجهوده في تطوير أعماله، وبفضل ثرائه تزوج من إيزابيلا، لكنه لم يعمّر طويلاً، فورثت ثروته، وعاشت حياة باذخة من بعده.

جمال ملامحها أوحى للفنان «فريدريك» لأن يستعين بها لصياغة وجه تمثال الحرية، وفق معظم المصادر التاريخية، رغم وجود بعض الجدل حول ذلك في بعض الروايات.

أما سبب اللون الأخضر الغريب لتمثال الحرية، فإنه يعود إلى أن المادة المصنوع منها التمثال، هي ألواح نحاسية بسمك 2.5 ملم، تحولت مع مرور الوقت، وبسبب العوامل الجوية، ونتيجة تفاعل النحاس مع الأكسجين ورطوبة البحر، مكوناً طبقة صدأ «باتينا» خضراء، وهي التي أعطته هذا اللون المميز دون أي طلاء خارجي.


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد