مرحلتان زمنيتان استعرضهما تقرير «بريتيش بتروليوم» السنوي لدراسات اقتصاد الطاقة لعام 2050؛ الأولى تناولت تطورات الطاقة منذ بداية هذا العقد الذي صادف أيضاً انحسار «كوفيد-19» حتى عام 2025 الحالي؛ والثانية التوقعات المحتملة لقطاع الطاقة عموماً حتى منتصف القرن.
لقد شملت الدراسة ما أصبح يعرف بـ«المرحلة الانتقالية» إلى عام 2050، حيث جرى التركيز على التحولات المتوقعة في الطاقات الهيدروكربونية والمستدامة والهجينة. وبحث التقرير، تحديداً، في هذه المرحلة، التحولات الأساسية المتوقعة في الطلب على النفط، والزيادة العالية المستمرة لكهربة نظام الطاقة العالمي، بالإضافة إلى الآثار المترتبة على تطور الذكاء الاصطناعي وانعكاساته على نظام الطاقة العالمي، أكان ذلك في مساندة الذكاء الاصطناعي لبحوث الطاقة، أو متطلباته من إمدادات كهربائية ضخمة لتشغيل مراكز الأبحاث التابعة للذكاء الاصطناعي.
تبنى التقرير تعبير «المسيرة» لمرحلة تحول الطاقة إلى 2050، نظراً لتعدد العوامل ومتغيراتها: مدى التطور التكنولوجي في تطوير الطاقات المستدامة، أو تأثير الأوضاع الجيوسياسية المضطربة على العرض والطلب للطاقة.
تكمن الأهمية الرئيسية للدراسة المستقبلية في محاولة الإلمام بمسيرة الطاقة المستقبلية في مرحلة تحول دقيقة من نظام الطاقات الهيدروكربونية، إلى الطاقات المستدامة التي لا تزال في مرحلة تقنية متغيرة، فالطاقات الهجينة.
ويشير التقرير إلى أن العالم اليوم يستهلك أعداداً مزدادة من الطاقات بأنواعها المتعددة والمختلفة؛ إذ تستمر زيادة الطلب العالمي على الطاقة الهيدروكربونية لترتفع سنوياً بنحو 1 في المائة ما بين 2019 و2025. كما نلاحظ في الوقت نفسه، تحسن ترشيد استهلاك الطاقة بنحو 15 في المائة سنوياً خلال الفترة ما بين 2019 و2024، مقارنة بنحو 2 في المائة خلال الأعوام العشرة السابقة للمدة سابقة الذكر.
وفيما يتعلق بالانبعاثات، الكربونية، فهي مستمرة في الارتفاع بزيادة سنوية معدلها 0.6 في المائة خلال الأعوام من 2019 إلى 2024؛ وهو الأمر الذي لا يساعد في تلبية التوقعات العلمية حول إمكانية تصفير الانبعاثات بحلول 2050، في حال استمرار هذه المعدلات الانبعاثية.
كما يلاحظ التقرير زيادة عالية غير عادية في تشنج العلاقات الجيوسياسية العالمية والنزاعات في الآونة الأخيرة؛ منها الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط، هذا بالإضافة إلى زيادة استعمال الحظر التجاري ورفع قيمة الضرائب الجمركية، الأمر الذي يزيد من أسعار سلع الطاقة العالمية.
وقد أدت أيضاً زيادة تدهور الأوضاع الجيوسياسية، كما زيادة سياسات الحظر التجاري، إلى إعطاء أهمية وأولوية عالية للأمن الطاقوي في بعض الدول، الأمر الذي يترك آثاراً متعددة على اقتصاد الطاقة؛ ومنها إعطاء أولوية للاعتماد على الطاقة المنتجة محلياً، وزيادة الاعتماد على سلاسل الإمدادات المحلية، بدلاً من السلاسل الدولية.
يتوقع التقرير أيضاً أن يترك تدهور التطورات الجيوسياسية والاقتصادية الأمنية آثاراً متعددة، بالذات في الدول التي لديها الإمكانات الواسعة لإنتاج إمدادات طاقة داخلية واسعة النطاق، مما سيدفعها إلى الإنتاج والاعتماد على موارد الطاقة الداخلية، بدلاً من استيراد الطاقة؛ إذ إن هذا الأمر، سيؤدي إلى زيادة الفروقات ما بين الدول المستوردة والمصدرة.
ستلجأ في هذه الحال الدول المستوردة للطاقة إلى زيادة سرعة تشييدها الطاقة الكهربائية المحلية، الأمر الذي سيعني تقليص استيراد هذه الدول من موارد الطاقة الأحفورية ذات الانبعاثات.
في الوقت نفسه، شهد ارتفاع الطلب على النفط منذ عام 2019، ارتفاعاً سنوياً معدله 600 ألف برميل يومياً. يعود السبب في هذه الزيادة إلى ارتفاع معدلات الاستهلاك في الدول ذات الاقتصادات النامية، بالذات الصين، التي بلغت حصتها نحو نصف الزيادة العالمية للطلب على النفط.
يؤكد تقرير «بريتيش بتروليوم» أنه من المهم في دراسة المرحلة المستقبلية لعام 2050، الأخذ في الاعتبار أهمية بعض العوامل الخارجية التي تؤثر على التوقعات، بالذات الصراعات الجيوسياسية والنزاعات المسلحة؛ إذ إن هذه العوامل تترك آثاراً سلبية على إمكانية التوصل إلى نظام الطاقة المتوقع بحلول منتصف القرن، ونظراً كذلك إلى مدى إمكانية تحقيق اختراقات علمية لتوسيع رقعة استعمال الطاقات المستدامة بحلول 2050. ويشير إلى توسع ضخم جداً في مراكز المعلومات نتيجة بروز الذكاء الاصطناعي. فالتوسع في استعمال الذكاء الاصطناعي سيعني نشوء طلب جديد وضخم للطاقة، لتزويد مراكز المعلومات بالطاقة الكهربائية.