هذا الأسبوع، حان دور حزب المحافظين في عقد مؤتمرهم السنوي. مدينة مانشستر اختيرت لتكون مكان الانعقاد، وهو أول مؤتمر تحت قيادة زعيمة الحزب كيمي بادنوك. انعقاد المؤتمر يتزامن مع الذكرى المائة لولادة السيدة مارغريت ثاتشر. المفارقة أن أفكار الراحلة المعروفة بوصف السيدة الحديدية تنتشر في أميركا وأوروبا، ولا تجد صدىً لها في أروقة حزب المحافظين البريطاني. المؤتمر السنوي لحزب المحافظين هذه السنة ليس سوى عرض صغير، على هامش عروض كبيرة، ليس فيه ما يثير الانتباه. ولو كانت السيدة ثاتشر لا تزال حيّة لما كانت تعرّفت إلى حزب المحافظين بوضعه الحالي.
لا يعلم كثيرون أن زعيمة المحافظين الحالية كيمي بادنوك، على عكس غيرها ممن سبقوها في قيادة الحزب، استأثرت بامتياز يحميها ويحصّنها ضد أي محاولة لإزاحتها عن منصبها. الامتياز المعني يتمثل في قرار أصدرته قيادات الحزب يمنع أي محاولة تحدي للزعيمة حتى يوم 2 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. الهدف من القرار يتمثل في فرض هدنة مؤقتة لوقف الحرب بين تياراته المختلفة، وفي الوقت ذاته تتاح الفرصة للزعيمة كيمي بادنوك كي تتمكن من إعادة الحزب إلى سابق عهده، وتخمد إلى حين فتنة التنافس على الزعامة.
حزب المحافظين في صورته الحالية يختلف تماماً عن ذلك الحزب الذي تولّى حكم بريطانيا لما يقارب 65 عاماً خلال المائة سنة الماضية. وكأن لعنة أحاقت به وأصابته بشلل، فأضحى مدعاة للتساؤل والتعجب والاستغراب، وفي بعض الأحيان مدعاة للشفقة أو للتشفّي. خلال الدورة البرلمانية السابقة تولى ثلاثة من قادته رئاسة الحكومة، وفي الانتخابات النيابية في صيف عام 2024 استحق هزيمة نكراء على أيدي الناخبين، الأمر الذي أفضى بعدد من شخصياته ونوابه وأنصاره إلى التخلي عنه والالتحاق بصفوف حزب الإصلاح البريطاني بقيادة الشعبوي المتطرف نايجل فاراج.
زعيمة الحزب كيمي بادنوك تعرف ذلك، وتتابع يومياً ما يصدر من نتائج استطلاعات الرأي العام. المعلقون، على اختلافهم، يتفقون أنه لو عقدت الانتخابات النيابية يوم غد لجاء المحافظون في المرتبة الرابعة، وهي مرتبة لم يصل إليها الحزب منذ تأسيسه في النصف الأول من القرن التاسع عشر. كما أنها ترصد بتوتر تقدم حزب نايجل فاراج في استطلاعات الرأي واستحواذه على الأجندة السياسية، وتسمع وتقرأ تهديداته بإنهاء حزب المحافظين والدهس على جثته.
في هذا المؤتمر، سوف تجد كيمي بادنوك نفسها محطّ الأنظار ومركز التوقعات من كل تيارات الحزب، وكأن المطلوب منها أن تأتي بمعجزة، بغض النظر عن السؤال من أين أو كيف.
كيمي بادنوك لا تنقصها الجُرأة. فهي كانت على علم ودراية بأحوال الحزب غير المرضية حين شمّرت عن ساعديها وقبلت التحدي وتقدمت ضمن آخرين لانتخابات الزعامة. كما كانت تدرك حجم وثقل التركة التي خلفها خمسة من رؤساء الحكومات السابقين، وقبلت التحدي. وتدرك أن هذا المؤتمر الأول لها كزعيمة قد يكون الأخير، ما لم تنجح في إقناع المؤتمرين بقدرتها على إعادة السفينة إلى مسارها. في لقاء مع رجال أعمال قالت بادنوك إن فشل العمال نابع من اتّباعهم لمبادئهم، وإن فشلنا يعود إلى هجر مبادئنا. لكن المبادئ التي تعنيها بادنوك تجاوزها الوقت، وتغيّرت اللعبة بتغيّر الظروف، وبدخول لاعب جديد، ممثلاً في حزب الإصلاح الشعبوي، الساحة، والتخريب الذي تعرضت له سمعة المحافظين اقتصادياً خلال حكم ليز تراس وما أحدثته من دمار اقتصادي ما زالت آثاره إلى اليوم.
الاختبار الحقيقي لزعامتها قد يبدأ من هذا المؤتمر وما تستطيع فعله في إقناع الحاضرين داخل قاعته، أو المتابعين خارجها، بقدرتها على قيادة سفينة في بحر مختلف، وطقس سياسي أكثر اختلافاً. إلا أن المحك الذي من الممكن أن يفتح الباب على مصراعيه أمام تحدّيات الزعامة سيكون في انتخابات المجالس المحلية في شهر مايو (أيار) المقبل، حيث من المتوقع وفق التقارير واستطلاعات الرأي العام أن يتجرع المحافظون كأس هزيمة مُرّة، تضاف إلى قائمة ما تجرّعوه مؤخراً من كؤوس هزائم وانتكاسات.
الغريب أن زعماء الحزب ورؤساء الحكومات المحافظين السابقين وحتى كيمي بادنوك كلهم زعموا أنّهم الورثة الحقيقيون للسيدة ثاتشر؛ فلماذا أخفقوا جميعهم ودخلت هي التاريخ من أوسع أبوابه كواحدة من أعظم قادة حزب المحافظين وبريطانيا؟
مارغريت ثاتشر حين سُئلت مرّة عن أهم إنجازاتها قالت بفصيح العبارة إن توني بلير وحزب العمال الجديد يعدّان أهم الإنجازات؛ لأننا أجبرنا خصومنا على تغيير عقولهم.