: آخر تحديث

المجد لا يُستأذن بل يُصنع.. قراءة في الوعي السعودي الجديد

2
2
2

إن عبارة "نحن لا نحتاج أحدًا" ليست تحديًا لأحد، بل تصريح وعيٍ وثقةٍ بقدرة الذات.. هي تلخيص لعقيدة جيلٍ سعودي جديد لا يرى النجاح في تقليد الآخرين، بل في ابتكار ما لا يُقلَّد.. جيل يعرف أن طريق المجد لا يُستأذن فيه، بل يُشقّ بالإصرار والعمل والإيمان..

حين قال معالي المستشار تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه، في مؤتمره الصحفي الأخير حول موسم الرياض: "نحن لا نحتاج أحدًا.. الناس هي التي تحتاجنا". لم تكن تلك الجملة مجرد عبارة عابرة، ولا تصريحًا عاديًا لوسائل الإعلام، بل كانت رسالة وعيٍ وإعلان مرحلة جديدة في الخطاب السعودي؛ مرحلة تعكس ثقة وطنٍ يعرف قدره، ويدرك مكانته، ويصنع مجده بنفسه. فمنذ انطلاق رؤية المملكة 2030 والعالم يتابع مشهد التحوّل السعودي بدهشة وإعجاب، إلا أن ما عبّر عنه تركي آل الشيخ في كلمته الأخيرة كان بمثابة انتقالٍ من مرحلة الإنجاز إلى مرحلة الوعي بالإنجاز؛ من مرحلة السعي لإثبات الذات إلى مرحلة الوعي بأن هذه الذات أصبحت هي المقياس.

لقد انتقلت السعودية من موقع "الطلب" إلى موقع "القبول". لم تعد تنتظر الدعوة إلى الطاولة، بل أصبحت هي من تدعو الآخرين إلى موائدها، وهي من تحدد المعايير وترسم الإيقاع. وحين يقول آل الشيخ: "الناس هي التي تحتاجنا"، فهو لا يتحدث من فراغ ولا من باب الفخر، بل من منطلق الثقة بنتائج ملموسة. فموسم الرياض لم يعد مجرد فعالية ترفيهية، بل منصة اقتصادية وثقافية وسياحية تضع العاصمة السعودية في صدارة مدن العالم النابضة بالحياة.

والأرقام تتحدث قبل الكلمات: ملايين الزوار من داخل المملكة وخارجها، مليارات الريالات في العائدات المباشرة وغير المباشرة، وتحول الرياض إلى وجهة عالمية يتسابق الفنانون والمستثمرون والمبدعون للمشاركة فيها. هذا الواقع هو الذي منح العبارة قوتها، لأن الثقة حين تستند إلى الإنجاز تصبح عنوانًا لمرحلة.

وفي هذا المشهد، لم يعد معيار النجاح يُقاس بعدد الحضور أو بتصفيق الجماهير، بل بمن تمنى الحضور ولم يُدعَ. أصبح النجاح السعودي مغناطيسًا للجذب، لا إعلانًا للبحث عن الاعتراف. وهذا التحول يعكس جوهر الوعي السعودي الحديث، وعيٌ يقول للعالم: نحن لا نسعى لنكون جزءًا من المشهد، نحن من نصنع المشهد. ففي كل موسم من مواسم السعودية يتجلى ذكاء التخطيط وثقافة الطموح؛ حيث تُصاغ الفعاليات بمعايير عالمية، وتُدار بعقول سعودية شابة، وتُقدَّم بروح وطنية توازن بين الأصالة والابتكار.

وما يفعله تركي آل الشيخ وفريقه في هيئة الترفيه ليس مجرد تنظيم فعاليات، بل بناء صناعة وطنية متكاملة تخلق فرص عمل، وتنعش الاقتصاد، وتغيّر صورة السعودية في الذهن العالمي. لقد أصبح "الترفيه" اليوم أداة ناعمة للنفوذ الثقافي ورسالة حضارية تقول: هذه هي السعودية الجديدة، منفتحة على العالم، واثقة من هويتها، وفخورة بقدرتها. ففي كل زاوية من موسم الرياض -من المسارح إلى المعارض، ومن العروض إلى الفعاليات- تُروى قصة وطنٍ لم يكتفِ بأن يكون متلقّيًا للثقافة، بل أصبح مُصدّرًا لها.

إن عبارة "نحن لا نحتاج أحدًا" ليست تحديًا لأحد، بل تصريح وعيٍ وثقةٍ بقدرة الذات. هي تلخيص لعقيدة جيلٍ سعودي جديد لا يرى النجاح في تقليد الآخرين، بل في ابتكار ما لا يُقلَّد. جيل يعرف أن طريق المجد لا يُستأذن فيه، بل يُشقّ بالإصرار والعمل والإيمان. وفي ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد، أصبحت الثقة بالذات السعودية جزءًا من الهوية الوطنية الحديثة، ثقة لا تستند إلى الشعارات، بل إلى مشاريع على الأرض ونتائج في الواقع.

لم تعد السعودية في موقع "التابع" الذي ينتظر الاعتراف، بل في موقع "المعيار" الذي تُقاس به النجاحات. لم تعد تتساءل "هل يرانا العالم؟" بل أصبح العالم يتساءل "كيف فعلت السعودية ذلك؟". ولعل هذا هو جوهر ما أراد تركي آل الشيخ قوله: إن السعودية اليوم هي التي تمنح الضوء الأخضر لمن يليق بالمشهد، وإن المجد لم يعد يُستورد بل يُنتَج هنا.. في الرياض.

الفرق كبير بين من يعيش على الدعوات ومن تُقام الدعوات باسمه. وموسم الرياض هو التجسيد العملي لهذه الفكرة؛ فهو دعوة مفتوحة للعالم إلى قلب السعودية، ولكن بشروطها ومعاييرها، وبثقة من يعرف أن مكانه في المقدمة لا يحتاج إلى تأكيد. إن كلمة تركي آل الشيخ ليست مجرد جملة في مؤتمر صحفي، بل تجسيد لفلسفة وطنٍ قرر أن يقود لا أن يُقاد، وأن يضع بصمته لا أن يتبع أثر غيره. وفي زمنٍ تتسابق فيه الأمم على صناعة صورتها، تقول السعودية ببساطة ووضوح: "لسنا تابعين لأحد.. بل نحن المقياس"..


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد