تمضي المملكة في مسارٍ متوازن يربط بين الانضباط المالي وتحفيز النمو الاقتصادي، في إطار نهجٍ مؤسسي يرسّخ مفهوم الاستدامة المالية كأحد الأعمدة الرئيسة لتحقيق مستهدفات رؤية 2030، وهو ما أكدته أيضاً المؤشرات المالية والاقتصادية الواردة في البيان التمهيدي لميزانية المملكة لعام 2026م.
ووفق منظور إدارة الأولويات فإن التركيز على تقليص النفقات ليس هدفاً بحد ذاته، بل إعادة توزيعها بما يحقق الكفاءة الاقتصادية والعائد التنموي الأعلى، هذا التحول يعكس نضجاً في السياسات المالية، ويعزّز قدرة الدولة على التعامل المرن مع المتغيرات العالمية دون الإخلال بأهداف التنمية المحلية.
منذ إطلاق برنامج الاستدامة المالية، حققت المملكة تقدماً ملموساً في تنويع الإيرادات غير النفطية ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي، إلى جانب تحسين إدارة الدين العام، وهي خطوات أسهمت في تعزيز الاستقرار المالي وتحسين تصنيف المملكة الائتماني. كما مكّن هذا التوجه القطاع الخاص من التوسع والمشاركة بفاعلية في التنمية، مدعوماً بسياسات تمويلية وتنظيمية أكثر مرونة، وبيئة أعمال باتت أكثر جاذبية للاستثمار المحلي والأجنبي.
البيان التمهيدي للميزانية يعكس رؤية متقدمة في ضبط المالية العامة وتحفيز النشاط الاقتصادي، فالمؤشرات تُظهر نمواً في القطاع غير النفطي واستمرار الإنفاق على المشروعات التنموية والبنى التحتية، وهو ما يؤكد أن السياسة المالية لم تعد مجرد إدارة أرقام، بل إدارة أهداف تنموية طويلة المدى.
على الصعيد الدولي، تمثّل هذه الاستدامة ركيزةً إضافية لقوة الاقتصاد السعودي في مواجهة تقلبات أسواق الطاقة والتحديات المختلفة، بما يعزز دوره كأحد المحركات المؤثرة في استقرار الاقتصاد العالمي.
وفي المقابل، يبقى المواطن محور التنمية، إذ تُوجَّه السياسات المالية لضمان جودة الحياة، وتوسيع فرص التمكين الاقتصادي، وتطوير الخدمات الأساسية والتعليمية والصحية، فنجاح الاستدامة المالية لا يُقاس بتوازن الأرقام فقط، بل بقدرتها على بناء اقتصادٍ متنوعٍ يوفر للمواطن فرصاً مستدامة ورفاهاً مستقراً.
ميزانية 2026م بما تحمله من معطيات وفق البيان التمهيدي تعكس مرحلة جديدة من التحول الاقتصادي، تقوم على إدارة الأولويات، والاستثمار في المستقبل، وترسيخ الاستدامة كنهجٍ دائم يعزز متانة الاقتصاد السعودي وريادته إقليمياً وعالمياً.