سارا القرني
مهما كنا ماهرين في السباحة، يكفي موقف واحد ليزرع في قلوبنا خوفًا لا يُمحى. قد نكون في قمة الثقة، لكن تجربة واحدة كفيلة بأن تُزلزل ثباتنا، وتتركنا عالقين بين ذكريات الرعب وحاجز الخوف.
الماء الذي كان صديقًا لنا، يصبح فجأة رمزًا للخطر، وكل حركة فيه تُذكّرنا بتلك اللحظة التي فقدنا فيها السيطرة.
السباحة هنا ليست مجرد مهارة جسدية، بل هي استعارة للحياة نفسها. فكما في الماء، نجد أنفسنا في العلاقات والمواقف نحاول إنقاذ من حولنا، نمد أيدينا بدافع المحبة أو المسؤولية، غير مدركين أن بعض الذين نحاول إنقاذهم قد يشدوننا إلى القاع لا بقصد، ولكن بغريزة النجاة لديهم.
وفي لحظة، نجد أننا بين خيارين أحلاهما مر: إما أن نغرق ونحن نحاول حمل الجميع، أو ننجو لكن محملين بجراح عميقة وتجارب قاسية.
هذا الدرس القاسي يُعلمنا ألا نحاول إنقاذ أكثر من طاقتنا، وأن نُدرك أن بعض المعارك لا تخصنا، وبعض الأرواح لا يمكننا حملها معنا مهما كانت محبتنا لهم.
إنها لحظة إدراك أن النجاة لا تعني الأنانية، بل تعني الحفاظ على نفسك كي تتمكن من العطاء لاحقًا بشكل أصح وأقوى.
لكن الأصعب من الغرق الجسدي هو الغرق النفسي. ذلك الخوف الذي يستوطن القلب، ويجعل الماء - أو الحياة - مساحة مُرعبة، تُعيدك كل مرة إلى ذكراك الأولى.
فتفقد مهارتك، وتفقد اتزانك، وتصبح السباحة نفسها معركة ضد ذاتك لا ضد الماء.
ولكسر حاجز هذا الخوف، لا يكفي أن تواجهه وحدك. أنت تحتاج إلى شخص يمنحك الثقة، شخص وجوده بجانبك يعيد ترتيب فوضاك الداخلية، ويذكّرك أن الخوف ليس نهاية، بل تجربة عابرة.
ذلك الشخص قد يكون صديقًا، معلمًا، أو حتى ذاتك حين تتصالح معها وتسمح لها بالوقوف من جديد.
وهنا أروي يومياتي على شاطئ كونا، حيث حاولت أن أتحدى خوفي في هذه المغامرة.
كان معي شخص يمسك بيدي كي أجتاز مخاوفي، بعد أن قررت أن أحاول التغلب عليها.
ومع وجود منقذة مستعدة للإنقاذ في ذلك الشاطئ، شعرت أنني أستطيع المضي قدمًا، فذلك الدعم منحني دفعة داخلية جعلتني أعود إلى الماء بثقة أكبر، وأكسر حاجز الخوف الذي قيدني طويلًا.
الثقة تُبنى من جديد خطوة بخطوة، والاتزان يعود حين تدرك أن الماء نفسه لم يكن عدوك، بل التجربة هي التي شوهت صورتك عنه. ومثلما تعود لتضع قدمك في الماء ببطء، تعود للحياة تدريجيًا حتى تستعيد يقينك بنفسك، وتصبح أقوى مما كنت.
الحياة، مثل السباحة، لا تخلو من التجارب القاسية. لكن المهم ليس أن نتجنب الغرق تمامًا، بل أن نعرف كيف نعود لنطفو من جديد، وكيف نحافظ على مهاراتنا وثقتنا، مهما اشتدت الأمواج وازدادت الأعماق.