ديفيد شينكر
عندما انعقدت القمة الطارئة المشتركة لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي في قطر، بدا أن الهدف المعلن هو دعم الجار الخليجي إثر الضربة الإسرائيلية التي استهدفت قادة «حماس» في الدوحة. لكن البيان 15 سبتمبر ذهب أبعد من ذلك، إذ خصص جانبًا كبيرًا للقضية الفلسطينية بدلاً من التركيز على استهداف قطر، وتضمّن قائمة واسعة من الإجراءات الجماعية والفردية التي يمكن للدول الـ57 المشاركة اتخاذها «لوقف الأعمال الإسرائيلية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني». فإلى جانب الدعوة إلى المقاطعة والخطوات القانونية وحملة تعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، حثّت الوثيقة الدول العربية الموقعة على اتفاقيات سلام مع إسرائيل على النظر في «مراجعة علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية معها». بعد نحو عامين من الحرب المدمرة في غزة، لم تعد هذه التحذيرات مفاجئة. لكن التصريحات العلنية العربية بشأن إعادة النظر في اتفاقيات السلام مع إسرائيل ليست جديدة؛ إذ سبق لـ3 من الدول الـ5 التي أقامت سلامًا رسميًا مع إسرائيل -مصر والأردن والإمارات - أن ألمحت، قبل وقت طويل من هجوم الدوحة، إلى تفكيرها في إعادة تقييم هذه العلاقات. وتضمنت تصريحات كبار مسؤوليها الأخيرة خطوطًا حمراء واضحة حيال بعض الممارسات الإسرائيلية التي قد تدفعها في ذلك الاتجاه. مع اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023، دعت عمّان والقاهرة وأبوظبي في البداية إلى إحتواء التصعيد، بدلاً من الانتقادات الحادة لإسرائيل أو إدانة هجوم «حماس». غير أن تزايد أعداد الضحايا الفلسطينيين واستمرار تدفق الصور المأساوية من غزة دفع مواقف هذه الدول إلى التغيّر تدريجيًا والانسجام أكثر مع مشاعر الغضب الشعبي التي عمّت الشارع العربي. كان أثر العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة والمنطقة تراكميًا. فبينما شكّلت ضربة الدوحة محطة صادمة، جاءت إجراءات أخرى لتعميق التوتر، من بينها الخطط المعلنة لنقل جزء كبير من سكان غزة «طوعًا» إلى دول أخرى، ومشاريع الاستيطان في منطقة E1 بالضفة الغربية الممتدة بين القدس و«معاليه أدوميم»، والتي قد تقطع عمليًا الطريق أمام قيام دولة فلسطينية متواصلة. هذه المقترحات زادت الأجواء المتوترة اشتعالاً، وأطلقت أسابيع من البيانات الغاضبة، وأعادت شبح احتمال تراجع مسار اتفاقيات السلام العربية ـ الإسرائيلية. ظلت الإمارات محافظة على أدفأ علاقاتها مع إسرائيل منذ توقيع اتفاقيات إبراهيم عام 2020 وحتى خلال حرب غزة. لكن قبل أيام قليلة من ضربة الدوحة، صرّح مسؤول رفيع في الخارجية قائلًا: «سيشكّل الضم خطًا أحمر بالنسبة لحكومتي وسيقضي على فكرة التكامل الإقليمي». وفُهم التصريح بداية كتهديد بالانسحاب من اتفاقيات «إبراهيم». غير أن بيانات إماراتية لاحقة غير منسوبة أشارت إلى أنه إذا مضت إسرائيل قدمًا في الضم، فقد تخفض أبوظبي العلاقات إلى نموذج «السلام البارد» على طراز مصر والأردن بدلًا من قطع العلاقات معها تمامًا. مع ذلك، لا ينبغي أن يشكل هذا التوضيح مصدر ارتياح لتل أبيب وواشنطن، الساعيتين إلى تعميق الاتفاقيات وتوسيعها بضم شركاء جدد. وقد زاد بنيامين نتنياهو الطين بلة عندما صرّح في 10 سبتمبر أن المسؤولين الإقليميين الذين أدانوا ضربة قطر «ينبغي أن يخجلوا من أنفسهم». وردت الإمارات باستدعاء نائب السفير الإسرائيلي للاحتجاج على ما وصفته الخارجية بـ«التصريحات العدائية والاستفزازية»، كما أعلنت حظر مشاركة الشركات الإسرائيلية في معرض دبي الجوي في نوفمبر. في المقابل، فإن الموقع الجغرافي للأردن وتركيبته السكانية جعلته شديد الحساسية تجاه تطورات الضفة الغربية وقطاع غزة. نحو 60% من سكان الأردن من أصول فلسطينية، إلا أن الغضب الشعبي يتجاوز هذه الفئة. وخلال العام الماضي، فتح رجال من القبائل البدوية النار مرتين عند المعابر الحدودية. كما انتقدت الملكة رانيا ووزير الخارجية أيمن الصفدي الحملة الإسرائيلية في غزة منذ 2023، وازدادت حدة تصريحاتهما في الأسابيع الأخيرة مع الإعلان عن خطط الضم والتهجير. وفي القمة العربية الإسلامية، انضم الملك عبدالله الثاني إلى المطالبين بإجراءات أكثر صرامة. وفي رأيه، فإن ضربة الدوحة «دليل على أن التهديد الإسرائيلي لا حدود له». بدوره، يشهد المسار المصري-الإسرائيلي أخطر تدهور في العلاقات منذ عقود. فمنذ اندلاع حرب غزة، حذّرت القاهرة من أي محاولة لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء. وفي مايو 2024، صعّدت مصر بانضمامها إلى دعوى «جنوب أفريقيا» ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية. لم تهدأ التوترات في 2025 بل تصاعدت. وزادت ضربة الدوحة من حدة القلق، خصوصًا بعد تصريحات نتنياهو عن مواصلة استهداف «حماس» خارج غزة، الأمر الذي اعتُبر تهديدًا غير مباشر لمصر التي استضافت بعض قادة الحركة في إطار جهود الوساطة. وحذرت القاهرة لاحقًا من أن أي انتهاك لسيادتها ستكون له «تداعيات كارثية». وجاء خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسي في القمة العربية الإسلامية قاسيًا بشكل خاص. فقد حذّر إسرائيل من أن مواصلة مسارها الحالي لن تحدّ فقط من فرص اتفاقيات سلام جديدة، بل ستجهض أيضًا «اتفاقيات السلام القائمة». وتأكيدًا لهذه النقطة الأخيرة، أشار إلى إسرائيل بـ«العدو»، وهي المرة الأولى التي يقوم فيها زعيم مصري بذلك منذ عام 1977. خلال إدارة ترمب الأولى، دفعت واشنطن وشركاؤها العرب إسرائيل أساسًا على الاختيار بين الضم والتطبيع. فكانت النتيجة أن اختارت تل أبيب اتفاقيات «إبراهيم». لقد غيّر هجوم 7 أكتوبر نهج إسرائيل، لكن رغبتها في التكامل الإقليمي تبقى ظاهريًا قائمة. من جانبها، استثمرت الولايات المتحدة رأسمالًا دبلوماسيًا كبيرًا ومليارات الدولارات من المساعدات الخارجية لتعزيز التطبيع. وبالتالي، فإن التراجع عن هذه الإنجازات أو حتى وقف تآكلها ينبغي أن يشكل أولوية قصوى، إذ إن أي انتكاسة في اتفاقيات السلام التي تحققت بشق الأنفس لن تصب في مصلحة أحد.إسرائيل تدفع شركاء السلام العرب إلى حدودهم القصوى
مواضيع ذات صلة