محمد ناصر العطوان
لماذا الحَمام في الكويت، قرّر أن العمارات والبيوت أحلى من السدر والنخل؟ تخيل معي عزيزي القارئ... طائر قادم من سلالة عمرها ملايين السنين، حضر أسلافه معنا معركة كاظمة، وبناء السور الأول والثاني والثالث وعايش استخراج النفط من آبار الكويت، وبيع النفط بعد الحرب العالمية الثانية، ثم أخذ قراراً إستراتيجياً بأن يبقى في الكويت ولن يسافر أو يهاجر، لأنه وجد «فندق 5 نجوم مجاني» وراء شفاطات الحمامات!
وصلتني معلومة من مصدر موثوق في جروب واتساب عائلي، إن أعداد الحمام في الكويت تضاعفت 300 في المئة خلال 20 سنة! هذا ليس طائر عادي... بل مخترع حضري!
والسؤال الذي قد يهمك عزيزي القارئ، كيف تعايش الحمام مع الصحراء؟ هذا الكائن ليس مجرد طائر جميل يطير... لا، هذا آلة تكيف صحراوية متنقلة!
لديه نظام تبريد مدمج يتحمل حرارة تصل إلى 50 درجة مئوية عن طريق اللهث وتوجيه الريش ليعكس الشمس. يعني عنده «تكييف سنترال» طبيعي، بالإضافة إلى اقتصاد مائي متقدم حيث يستطيع أن يعيش 3 أيام من دون ماء (أكثر من بعض البشر في الصيف!).
كما أنه يمارس توقيتاً ذكياً حيث يخرج في الصباح الباكر والمساء، ويتفادى ذروة الحر وبصمات الانصراف، مثل موظف حكومي ذكي وحكيم يأخذ الاستئذان وقت الذروة!
ويُشاع في أوساط خبراء الطيور (اللي يقعدون بالدواوين) إن الحمام الكويتي طوّر قدرة على شرب المياه المالحة بنسبة 20 في المئة أكثر من أي طائر آخر. كما أنه تعوّد معنا بحكم المعايشة على أكل المطاعم!
ومن حق أي مهندس معماري أن يتساءل، لماذا اختارالحمام نوافذ شفاطات الحمامات؟ والإجابة تأتي من المقاول ببساطة: لأن الحمام عقاري شاطر بمواصفات فاخرة!
وإلا لماذا يترك الشجر ويختار السكن جنب حمامك؟ إنه يدرك أنه موقع إستراتيجي قريب من بوفيه مفتوح (بقايا الأكل) ومصدر مياه عذبة (تسريبات المكيفات). كما أن الموقع أمان من المفترسين، فلا قطط تستطيع الوصول، ولا صقور تتمكن من الاختراق... «سيكيوريتي» على أعلى مستوى.
والأهم من كل ذلك، هو اختيار الموقع بناء على العزل الحراري المضمون، فالحرارة التي تخرج من الشفاط تدفي الصغار في الشتاء، وتبرده هو في الصيف.
ومن حق أي خبير طيور أن يتساءل كيف تكيف الحمام مع العمارة الحديثة، ولماذا فضل الأسمنت على الأشجار؟ عزيزي القارئ، أخبرتك من قبل «ولكنك تنسى» أن الحمام كائنات واعية، لذلك فقد قامت بعمل دراسة جدوى سريعة بين الشجرة والعمارة، وخرجت بمجوعة نتائج منها أن السكن في الأشجار والنخل قد يعرّضها لهجوم مفاجئ من الطيور الأخرى، ولخطر الغبار والرياح والمطر، بالإضافة إلى أن مساحة الأشجار محدودة وغصن واحد فقط، أما العمارات ففيها أمان نسبي وهدوء، وحماية من تقلبات الجو، وشقق فندقية متعددة الأدوار.
وحسب معلومات «واحد من الربع» فقد أقسم بالطلاق ثلاث مرات، أنه رأى بعينه أن 80 في المئة من الحمام في المناطق الحضرية يفضل العيش في المباني دون الشجر، وأن الحمام أخبره أنه «ماكو خصوصية بالشجر»!
ومن حق أي خبير إستراتيجي أن يتساءل كيف يقيم الحمام المخاطر؟ ومن أين حصل على هذا الذكاء المذهل في تحليل التهديدات؟
ينجح الحمام غالباً في تقييم الخطر البشري حيث يُفرق بين الطفل الصغير (مصدر إزعاج محتمل) وكبار السن (مصدر فتات خبز مؤكد) وتقييم الخطر الحيواني، فيستطيع أن يميز بين القطط (عدو إستراتيجي) والكلاب (كائنات لطيفة لا تهتم)، وتقييم الخطر المروري حيث يحسب مسارات السيارات بدقة مهندس طرق!
ووصلتني دراسة قرأت عنوانها بسرعة، تقول إنّ الحمام عنده «شبكة تواصل اجتماعي» خاصة به، بمعنى لو أن حمامة رأت خطراً في حولي، يوصل الخبر لحمام السالمية بثوانٍ... ولا أجدعها «5G»!
عزيزي القارئ، ما الذي أريد قوله في هذا المقال، إن الحمام شريك وجودي في هذا الوطن... ليس طائراً بل جار! فالحمام يشبهنا ويعيش بيننا بنظام اجتماعي متكامل في توزيع الأدوار، فالذكور للحراسة، الإناث لرعاية الصغار، والشباب وظيفتهم استكشاف مطاعم جديدة. ولديهم تضامن جماعي، فإذا مرض واحد منهم، البقية تحميه وتجلب له الطعام والتموين... أحسن من بعض برامج التأمين الصحي!
كما أنّ لدى الحمام ذاكرة جماعية يتذكر من خلالها الأماكن الآمنة، ووين بيت «أم فلان» التي تضع الأكل بعد كل عصر.
إنّ الحمام الكويتي، درس في المرونة والذكاء الاجتماعي والتعبد لله. والسبب أنه لم ينتظر البلدية لكي تخطط له مساحات خضراء، ولا الهيئة العامة للبيئة لكي تلبي احتياجاته، بل اخترع مسكنه بنفسه! هذا الكائن الصغير يعلمنا دروساً في التكيف، المرونة، والتعاون.
والآن في الختام، لم يتبق إلا أن أذكر لك مصادري لهذه الدراسة... هذا المقال يستند إلى مصادر عالية الثقة مثل سوالف ديوانية «المنسدح» ومعلومات مؤكدة من جروبات الواتساب، ودراسة أجريتها أنا بنفسي وأنا أراقبهم من النافذة، ومعلومات منهجية من أحد الأصدقاء والذي يقول إنه يعرف خبير طيور. وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر. وكل ما لا يراد به وجه الله... يضمحل.