: آخر تحديث

السلامة الغذائية

6
7
7

في مسار التحولات الكبرى التي تشهدها المملكة ضمن رؤية السعودية 2030، تتوالى القرارات التي تضع المواطن والمقيم والزائر في قلب الأولوية، وتربط جودة الحياة بالصحة والاقتصاد والاستثمار، ومن بين هذه القرارات المهمة، ما أعلنته وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان مؤخرًا بإلزام المطابخ المركزية بتعيين أخصائي سلامة غذاء معتمد، كشرط لمزاولة النشاط وضمان تطبيق أعلى معايير السلامة الصحية، القرار الذي بثّته وكالة الأنباء السعودية (واس) جاء ليؤكد أن الغذاء ليس مجرد سلعة، بل عنصر حياة يستحق الحماية والاهتمام.

هذا التوجه يستند إلى وعي عميق بأن الغذاء الآمن هو أساس الصحة العامة، وأن أي ثغرة في منظومة الرقابة تعني تهديدًا مباشرًا للمجتمع. وجود أخصائي سلامة غذاء معتمد يعني أن كل وجبة تُعدّ في هذه المطابخ تمر عبر عين خبيرة، مدرّبة على تطبيق المواصفات العالمية في النظافة، والتخزين، والنقل، والإعداد. إنه انتقال من الرقابة التقليدية إلى الرقابة العلمية المتخصصة، بما يواكب تطور صناعة الأغذية عالميًا.

الصحة تبدأ من المائدة، وحين تتأكد الأسر أن ما يصل إلى بيوتها أو مدارس أطفالها أو مقار عملها من وجبات قد أشرف عليه متخصصون في السلامة الغذائية، فإن ذلك يبعث برسالة طمأنينة عميقة. وتشير دراسة حديثة أعدّها باحثون من وزارة الصحة السعودية ونشرت في مجلة Infectious Diseases Now عام 2025، إلى أنه خلال الفترة من 2017 إلى 2023 سُجلت في المملكة 42,079 حالة من الأمراض المعدية المنقولة عبر الغذاء، بمعدل سنوي يقدّر بـ 18 إصابة لكل 100 ألف نسمة هذه الأرقام تبرز بوضوح أهمية وجود أخصائيين معتمدين لضمان خفض تلك الحالات، وتقليل العبء على المنظومة الصحية.

قطاع المطاعم والفندقة في المملكة يشهد طفرة غير مسبوقة مع ازدياد عدد السكان، وارتفاع أعداد الزوار الذين بلغ مجموعهم 106 ملايين زائر في عام 2023، بينهم 27.4 مليون زائر دولي بحسب وزارة السياحة. وفي مثل هذا السوق المتنامي، يصبح عنصر الثقة عاملًا حاسمًا في جذب الاستثمارات. المستثمر الأجنبي، مثل المواطن، يريد أن يتأكد أن السوق يخضع لمعايير صحية شفافة. وهنا، يصبح وجود أخصائي سلامة غذاء ليس شرطًا تنظيميًا فقط، بل ميزة تنافسية تعكس نضج البيئة الاستثمارية السعودية.

رؤية السعودية 2030 خصصت برنامجًا محوريًا تحت اسم جودة الحياة، يهدف إلى تحسين أنماط العيش، ورفع مؤشرات الصحة العامة، وتقديم بيئة حضرية آمنة وصحية. قرار إلزام المطابخ المركزية بوجود أخصائي سلامة غذاء يندرج مباشرة ضمن هذا البرنامج، لأنه يجمع بين بعدين: حماية صحة الإنسان وتعزيز الاقتصاد الوطني. فالغذاء الآمن يعزز إنتاجية الفرد، ويخفض تكاليف الرعاية الصحية على الدولة، وفي الوقت نفسه يزيد ثقة المستثمرين والسياح في السوق السعودية.

الغذاء هو نافذة أولى على ثقافة الشعوب. وكل سائح يزور المملكة، سواء لحضور موسم الرياض أو العمرة أو الفعاليات العالمية مثل كأس العالم للرياضات الإلكترونية، سيحمل انطباعًا عن السعودية يبدأ من جودة الطعام الذي يتناوله. ولذلك، فإن القرار يضيف بعدًا حضاريًا، يجعل من الجودة علامة هوية وطنية تميز المطاعم والفنادق والمطابخ السعودية.

في جوهره، القرار ليس مجرد نص تنظيمي، بل هو وعد، وعد بأن المواطن والمقيم والسائح في المملكة لن يشغلوا بالهم بسلامة غذائهم، لأن الدولة أخذت على عاتقها أن تتأكد من ذلك قبل أن تصل الوجبة إلى الطاولة. هذا الوعد يعزز الطمأنينة في البيوت، ويرفع ثقة المجتمع في المؤسسات، ويخلق بيئة يشعر فيها الجميع أن حياتهم اليومية جزء من مشروع وطني أكبر.

الطريق نحو المستقبل الذي ترسمه رؤية 2030 لا يقتصر على المشاريع العملاقة والبنى التحتية الحديثة، بل يشمل تفاصيل الحياة اليومية التي تُكوّن أساس السعادة والطمأنينة، وقرار وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان بإلزام المطابخ المركزية بوجود أخصائي سلامة غذاء معتمد، هو أحد تلك القرارات التي تحمل أثرًا مباشرًا على صحة الناس، وثقتهم، واستثماراتهم، وصورة، وطنهم، إنها رسالة أن السعودية الجديدة لا تكتفي بأن تكون قوة اقتصادية أو سياحية أو مالية، بل تريد أن تكون وطنًا يعيش فيه الإنسان بجودة حياة عالية، تبدأ من أبسط التفاصيل: لقمة آمنة، وصحة مطمئنة، وحياة كريمة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد