عبده الأسمري
ما بين إضاءات «الطب» وإمضاءات «الشعر» مضى يوزع «إهداءات» الأثر بروح جمعت الكدح والمرح في «وعاء» من التجارب ظلت شاهدة على «وميض» التأثير وصامدة أمام «فيض» التغيير.
حول «السخرية» إلى مساحة يقتنص منها «العابرون» على عتبات «الذاكرة» معاني النصح وبدل موجات «الأدب «لتسير في منظومة تراقصت بين حد «الصرامة» و»النكتة» موجهاً بوصلة «الكتابة» إلى أهداف «الإلهام» مرتباً «مواعيد» الاستيعاب» على أسوار التحليل.
سابق «عقارب» الساعة في منصبه الوزاري تاركاً قناديل «القرار» مضيئة في حلم «الابتعاث» وهدف «التمريض» موزعاً ثمار «التوجيه» للقادمين على أجنحة الانتظار في «تحولات» صحية لامست سقف «الواقع» رغماً عن تكهنات «التراجع».
إنه معالي وزير الصحة الأسبق الأديب الدكتور حسن نصيف - رحمه الله- أحد أبرز الوزراء والشعراء في الوطن.
بوجه «جداوي» التقاسيم «حجازي» الملامح يتكامل مع والده ويتماثل مع أخواله وعينان تسطعان بنظرات «الحنكة» ولمحات «الفطنة» وسحنة مألوفة تغمرها «ابتسامة» الرضا وشخصية عميقة «الفكر» لطيفة التواصل تقتبس من أصول «بيت نصيف» الحجازي الشهير معاني «النبل» ومعالم «الفضل» وسمات «المكارم» وصفات «الفضائل» ومحيا يعتمر «الأناقة الوطنية» وبالطو «الطب» الأبيض الذي يعكس «صفاء» نيته ونقاء سريرته وكاريزما مزيجة من «رقي التوجه» و»سمو التعامل» ولغة «خليطة» من حجازية مجازية في مجالس العائلة ومواطن الأسرة وفصيحة حصيفة في مواقع القرار وطاولات الاجتماع ومخزون «ثقافي» بارع يوظف «الشعر» في وصف الحال ويسخر «المعني» في توصيف الواقع و»مكنون» مهني يعتمد على المعارف الطبية والخبرات الوظيفية قضى نصيف من عمره «عقود» وهو يؤصل أركان القصائد «الفكاهية» ويرسخ أسس الكتابات «الساخرة» ويهدي للوطن «قرارات «التغيير ويبقي للأجيال منهجيات التدبير في مسيرة منوعة واءمت بين «العمل الوزاري» و»الهدف الإنساني»، ورسخت مناهج من «الأدب الساخر» و»الشعر الشعبي» و»المقام الشعري» كاتباً اسمه على صفحات «الاستذكار» المشفوع بالإنجاز والمسجوع بالاعتزاز كرجل دولة ووجه ثقافة ووجيه مجتمع وأنموذج طبيب.
في جدة عروس البحر الأحمر وبين ثنايا الزمن المكتظ بالطيبين ولد نصيف في «حارة المظلوم» القابعة في عمق «البلد» والماكثة في «أفق «التاريخ عام 1340هـ/ 1922م.
وتفتحت عيناه على «أب سخي وفي» من وجهاء قومه و»أم تقية نقية» من فضيلات جيلها ونشأ محفوفاً بسمعة «راسخة» ترددت أصداؤها في جنبات «الأماكن» عن سلالة أسرته «العريقة» ذات العطر المنثور بين الإرث والتراث والموروث.
أطلقت عائلته عليه اسم «حسن» تيمناً بالاسم الشائع بالتفاؤل والمقترن بالحسنى.
ركض نصيف مع أقرانه وأقاربه بين حارات الشام والرويس وتعتقت نفسه طفلاً بأنفاس «البكور» بين منازل الجداويين وتشربت روحه نفائس «البركة» وسط نهارات الكادحين مراقباً «نداءات» الباعة في حوانيت باب شريف وباب مكة وسوق البدو و»تجمعات» الصاغة في شارع قابل والذهب مستنشقاً «نسائم» الفجر بين الجوامع التاريخية وسط «المدينة» الحالمة التي عطرت أيامه بذكريات «راسخة» غمرت وجدانه برياحين «الوفاء» ومضامين «الاستيفاء».
سجل في ذاكرته «الغضة» الصور الذهنية لفصول «القيم» التي احتضنتها «مراكيز» الأحياء العتيقة في مساءات «العروس» المسطرة بحكايات «الأولين» المحفوظة في صدور «الكبار».
بدا نصيف تعليمه الأول في كتّاب الشيخ محمد عطية حيث درس علوم القرآن الكريم والقراءة والكتابة ثم انتظم طالباً بمدرسة الفلاح بجدة ورافق والده الذي كان يعمل في «قطاع المحاماة» واكتشف موهبته البكرة في الكتابة حيث أوكل إليه أولى مهام الحرف بإعداد مسودات القضايا والمرافعات.
انجذب نصيف باكراً إلى المجلات والدوريات والكتب التي يتداولها مثقفو الحجاز واقتنص من موجة «الوقت» نصيباً مفروضاً ملأ وجدانه بخزائن «المعرفة» وغمر داخله بكنوز «الثقافة».
واصل نصيف دراسته والتحق بمدرسة تحضير البعثات بمكة المكرمة والتي ضمت في جنباتها جمعا من البارعين، وظل يشتغل في الاجازات في أكثر من مهنة وحرفة حتى أنه كان يجمع «مياه المطر» في «براميل» ويعرضها للبيع.. وعمل معلماً في مدرسة الفلاح أثناء إجازاته براتب أربعون ريالا.
أنهى نصيف دراسته بمدرسة تحضير البعثات وطار إلى مصر ودرس الطب وعاد إلى أرض الوطن عام 1370 حاملاً شهادته العلمية وذكرياته التي كان يدونها في دفتر «خاص» كان يلازمه كشواهد على مراحل من المثابرة والمصابرة.
عمل في بداياته طبيباً بمستشفى أجياد بمكة المكرمة، وفي عام 1372هـ عيّن مديراً لصحة مكة بطلب من وزير الصحة آنذاك الأمير عبد الله الفيصل وفي عام 1374هـ عيّن مديراً فنياً لمكتب وزير الصحة وفي عام 1376هـ عيّن مديراً عاماً للوزارة وفي عام 1380هـ صدر أمر ملكي بتعيينه وزيراً للصحة.
ورغم حقبته الوزارية المحدودة إلا أنه سجل بصماته المتميزة نظير ما تمتع به من «بعد نظر» حيث تم إنشاء أول مدرسة للممرضات في الرياض وجدة بعد إقناع الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي المملكة حينذاك بذلك، وتم فتح باب ابتعاث الطالبات للخارج لدراسة الطب، ووجه بإحضار كبار الأساتذة المتخصصين من مصر وإنجلترا للعمل والمحاضرات في المستشفيات ومن منجزاته خطته المميزة لمكافحة مرض الملاريا الذي انتشر في ذلك الوقت. وكان أول من نفذ «الجولات المفاجئة» على المستشفيات ورصد شكاوى المرضى والمراجعين والكشف عن «المخالفات» الإدارية والطبية.
وللفقيد عدة مؤلفات منها كتاب «مذكرات طالب» وطبيب العائلة الصادر عن نادي جدة الأدبي عام 1400هـ، وتسالي (ديوان شعر شعبي) وديوان البسمات. ويعتبر أحد رواد الشعر الفكاهي في المملكة وله مساجلات طريفة مع عدد من رفقاء دربه وزملاء حرفته.
انتقل نصيف إلى رحمة الله في 27 يوليو عام 2007 وقد نعته منصات «المسؤولية ومواقع «التنمية» ومقالات «الكتاب» ووصفت مآثره ومناقبه وإسهاماته الأدبية والتنموية والوطنية..
رحل نصيف بعد أن خلد في «الذاكرة المشرقة» موجبات من «الذكر المستحق» وعزائم من «الشكر الواجب» حيث أهدى لوطنه ومجتمعه سيرة عطرة مقامها «حسن الخلق» وقوامها «طيب الأثر» في اتجاهات من النماء والانتماء ومحافل من الحرفية والمهنية.
ترك من خلفه «ذرية» مباركة من أبناء صالحين؛ فالحين تولوا «مناصب» قيادية وريادية في القطاعين الحكومي والخاص بعد أن غرس فيهم «حب الوطن» وأوجد في أعماقهم «أسرار الفلاح» وحصد في شبابهم «جهر النجاح». ليكملوا مسيرة «التنمية» ويحملوا راية «الإرث المعرفي» بوقع التعليم ووقع التمكين.
حسن نصيف.. الوزير الشاعر والطبيب الماهر صاحب «المسيرة» الإبداعية التي تطرزت بجواهر «الأدب» وتوشحت بدرر «العطاء».