عاد كنيدي لمكتبه وشرع من فوره ببيع كل ما يملك من أسهم، وانسحب بهدوء من السوق، وبعد أسابيع قليلة فقط، حلّ الثلاثاء الأسود، يوم 29 أكتوبر 1929، وسمّي بيوم الانهيار العظيم، الذي أطاح الملايين، وأغلق البنوك، ولقي عدد من رجال الأعمال والمستثمرين حتفهم، عندما ألقوا بأنفسهم من نوافذ مكاتبهم، تهرباً من الفضيحة. كان ذلك بداية الكساد العظيم، الذي جرّ أمريكا والعالم إلى عقد كامل من الظلام الاقتصادي، وحده كنيدي نجا من الخسائر الهائلة، لأنه نجح في قراءة الإشارة الدالة على الانهيار مبكراً.
* * *
هذه القصة التي انتشرت على وسائل التواصل بشكل كبير، لا أساس لها من الصحة، كما أن اسم المليونير يتغيّر من رسالة إلى أخرى، فهو تارة روكفلر، وتارة «فندربلت»، وهكذا. كما أن كنيدي الأب لم يكن أصلاً مضارباً كبيراً ومعروفاً في بورصة نيويورك في حينها.
لكننا نجد، بعد قرابة قرن، أن المشهد نفسه يتكرر عشرات المرات، ولم ولن يتعلم أحد، فهذه طبيعة البشر، لكن التكرار يأخذ غالباً أشكالاً مختلفة، فماسح الأحذية أصبح ممثلا سابقا أو «عليمي أسهم» أو حتى داعية، تغيّر حاله من إعطاء النصائح للأزواج المختلفين، إلى مروجين لمشاريع كبيرة، وكيفية خلق الثروات السريعة والسهلة، من خلال المضاربة بمبالغ بسيطة.
كما أصبح مستخدمو أو مدمنو منصات «إكس» و«إنستغرام» و«تيك توك» و«سناب شات» و«واتس أب»، وفيسبوك، خبراء في أمور لا عد ولا حصر لها، لا يحملون صندوق دهان الأحذية، بل يملكون حساباً على هذه الوسائط، يفتون من خلاله في مختلف الأمور، من استخدامات العقاقير، وحتى الأدوية، إلى الأغذية الصحية، إلى الاستثمار والسياسة والدين، وكل له تفسيره الخاص، محللين لأنفسهم ما يشتهون، ومحرمين ما يكرهون، ودائما يجدون من يؤمن بآرائهم، أو يفتتن بنصائحهم، أو يصدق أقوالهم، بعد أن أصبحت ملايين العقول مغيبة، ورهن إشارة أي دجّال، أو صاحب رسائل دينية متطرفة، حتى لو كانت تقودهم للهلاك، فالعقل والمنطق والتفكير السليم بضائع لم يتعلم هؤلاء يوماً اقتناءها، لا في المدرسة، ولا في البيت، ولا في الشارع.
وبالتالي الانهيار قادم، فالقطيع سائر إلى حتفه، وخير دليل العربدة الإسرائيلية التي وقفت أمة المليار ونصف المليار إزاءها صامتة، وكأن الأمر لا يعنيها، غير مدركة أنها ستؤكل كما أُكل الثور الأبيض قبلها!
أحمد الصراف