رغم أن كل الدول المغاربية هي أعضاء في جامعة الدول العربية بحكم الانتماء الهوياتي فإن مقاربة الصراع العربي - الإسرائيلي عادة ما يتم حصرها في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي يخلق انطباعاً غير صحيح بأن المغرب العربي، لاعتبارات جغرافية، قد نجا من حرائق منطقة الشرق الأوسط، وأن الدول المغاربية مراقبة من بعيد للقضية الفلسطينية، وأن العلاقة بين المجتمعات المغاربية والقضية الفلسطينية هي علاقة عاطفية انتمائية هوياتية بالأساس، والأمر لا يتجاوز مضامين هذه الروابط.
فهل هذا صحيح على أرض الواقع؟ وإلى أي حدٍّ الدول المغاربية في منأى عن تداعيات العدوان الإسرائيلي التاريخي والمستمر على فلسطين أرضاً وشعباً وقضية ووجوداً؟
أولاً، ومن باب إعادة تأكيد ما يؤكده الواقع من دون هوادة، فإن القضية الفلسطينية هي فعلاً أم القضايا العربية، وهي المُحدد الرئيسي لموقع أي دولة عربية في العالم؛ حيث إن الدعم الدولي وغض الطرف وتيسير قطار التنمية... أمور مرتبطة بموقف الدول العربية من الكيان الإسرائيلي، وهو موقف أيضاً من فلسطين وشعبها، خاصة منهم أهالي غزة.
هذا الأمر معروف ومنذ عقود، والتفاوض قائم على هذه الأسس، الأمر الذي جعل الرأي العام العربي يلوم قادته ويعدّهم لم يحسنوا التفاوض، وأنهم أعطوا الكثير لإسرائيل ولم تتحصل القضية الفلسطينية على شيء. ويعني مثل هذا الاستنتاج أن ما يُسمى الصراع العربي - الإسرائيلي يشكو من مشكلات منهجية استراتيجية شتى، إذ إنه صراع من فرط مواطن الخلل فيه بات يفتقد شروط الصراع نفسه، وربما الأقرب إلى التوصيف هو التوترات العربية - الإسرائيلية، باعتبار أن الهيمنة تُسيطر على الصراع، فحوّلت وجهته من صراع إلى بؤر توتر مفتوحة.
وفي السنوات الأخيرة بات واضحاً أن المغرب العربي وإن كان جغرافياً لا ينتمي إلى منطقة الشرق الأوسط فإن الصراع المغاربي - الإسرائيلي بات جزءاً واضحاً في مجمل الصراع العربي - الإسرائيلي.
ذلك أن إسرائيل تعرف جيداً أن القضية الفلسطينية هي في قلب اهتمامات الشعوب المغاربية، وتعرف إسهامات الأجيال في المجتمعات العربية في نصرة القضية الفلسطينية. كما أن تونس كانت لسنوات طويلة مقرّاً للقضية الفلسطينية وقادتها، ويذكر التاريخ ما قامت به تونس خلال اغتيال القيادي في «فتح» أبو جهاد في تونس سنة 1985 بمنطقة حمام الشط، التي تبعد عن العاصمة التونسية قرابة 35 كيلومتراً، وكيف قام الزعيم الحبيب بورقيبة، وهو في حالة غضب شديدة، باستدعاء السفير الأميركي بيتر سيبستيان آنذاك، وكيف تم تقديم شكوى للأمم المتحدة. وإلى اليوم فإن تونس ورغم كل المشكلات الاقتصادية، والحصار النقدي الدولي ضدها، فإنها لم تساوم في القضية الفلسطينية، وظل موقفها ثابتاً وركناً أساسياً في كل خطابات الرئيس قيس السعيد الوطنية والدولية. ومن المهم الإشارة إلى أن الموقف الرسمي في تناغم تام مع الموقف الشعبي؛ حيث لا يكاد يخلو بيت تونسي من الألم مما يحدث في غزة لأهاليها.
تُدرك إسرائيل جيداً أن الشعوب المغاربية جارفة في تعلقها بالقضية الفلسطينية، ولم تترك هذا الأمر من دون انتباه وتدبر رغم انشغالها بالتوترات الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط. ويُخطئ من يعتقد أن إسرائيل غائبة عن دول المغرب العربي، فهي البوصلة للرضا الدولي، والتطبيع معها هو المدخل لتجنب الصداع بكل المعاني الاقتصادية والسياسية. لذلك فإن التحديات التي تعرفها الجزائر ليست في معزل عن موقفها من إسرائيل وجرائمها ضد الفلسطينيين. والشيء نفسه بالنسبة إلى تونس؛ حيث إن التضييقات التي تعرفها، وآخرها انتقاد الديمقراطية فيها، إضافة إلى محاولات مس العلاقة الوطيدة بين الشعبين الجزائري والتونسي، إنما هي رد غير مباشر من إسرائيل على تنديد الدولة التونسية بمجازرها. بل إن كل الطرق التي تؤدي إلى مغرب عربي قوي إنما هي مقفلة بتوترات مغاربية مفتعلة، ومضخمة وممنوعة على الحل والتسوية.
إن المُخطط الإسرائيلي ضد فلسطين أكبر بكثير من منطقة الشرق الأوسط. ولا شك في أن انقضاض إسرائيل، ومن يقف وراءها، على دولنا المجزأة أصلاً هو أمر سهل جداً، ولكن أن تكون هناك وحدة مغاربية وعربية فهذا هو التحدي، وساعتها فقط نكون الرقم الصعب. نحن أقوياء بصفتنا دولاً عربية ونكمل بعضنا بعضاً ولكن...!