: آخر تحديث

نداء للميسرين الأفاضل

3
3
3

محمد ناصر العطوان

التيسير رحلة مستمرة وليست محطة وصول.. تطوّر في كل مرة وتَعلُّم في كل مرة... وتراكم وتبني وتجرب.

التيسير هو التجلي الحر للكلمات والمفردات والمعاني والقيم، وكل ما قرأت ومر بك من تجارب. تجل مبدع ويتشكل في كل مرة بشكل مبتكر لا تحيطه القوالب الجاهزة.

كالسائر ما بين الحلم واليقظة، وما بين الذاكرة والنسيان، وما بين الواقع والمتوقع، وما بين أن تكون على هوامش الصفحة أو في متنها... وتدعو الله أن تنسى، وينساك العابرون معك، كشخص واسم وشكل، ولا يبقى منك إلا فكرة وأثر يأخذ الناس إلى الله بطريقة لطيفة.

وما بين الانتباه والغفلة... وما بين الحضور والغياب... وما بين الارتجال والتحضير... وما بين النقطة والسطر... وما بين بداية الأشياء ونهايتها... وما بين الولادة والموت، يكمن التيسير. والتيسير، معنى ومبنى.

والتيسير أن تكتب الكلمة والفعل، بالتشكيل تارة وبعدم التشكيل تارة أخرى، بحسب وعي من معك. والتيسير خيال العابرين بين ضفاف الوجود... اللحظة التي تسبق انهمار المطر وصمت الثلج على أغصان اليقين.

التيسير، هو أن تمشي على الأرض وأنت تسمع نداء السماء. هو ألا تحاوطك المساحات وتحاوطها... أن تكون النور الذي يضيء من غير أن يحترق...

التيسير منهج. يقول لك: كن كالماء... لا تصارع الصخر بل تلونه بألوان الأعماق... كالهواء لا تقيم حدوداً، بل تلوح للأرواح أن تعبر... كالنجم لا تنازع الظلام، بل ترمش له من بعد، فتغمره السكينة.

التيسير... هو أن ترى يد الله في كل انعطافة وتحويل مسار ورفع مقام وتغيير حال. هو الاستعداد للرحيل، والعلم أنك ما بين حل وترحال دائم، حين يناديك النداء. هو أن تترك للأقدار مساحة تلوينك ورسمك والعزف على أوتار حياتك من دون أن تخشى انقطاع الوتر...

التيسير... تاء التوحيد التي تذكرك أن لا ميسر إلا الله. وتاء التملك ووعيك بأنك لا تملك شيئا فيملكك. ياء الوجود التي تنطوي على سر النداء: «يا أيها الإنسان... إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه».

سين السمو وسين الالتفاتة لكل ما فيه حرف السين... السلام والسعي والسماحة وسدادة الرآي. والسماء التي تعلوك عن ظلام الأنا «وثيابك فطهر والرجز فهجر». فتصبح صفحة صافية...

راء الرحمة التي تمتد كالنهر الخفي الذي لا يعلن عن ذاته.. وراء الامتداد والأثر في البر والبحر والصخر والشجر وذاك النهر فتروي ظمأ العابرين، فتنسيك عطشك.

التيسير... هو أن تدرك أن الوجود كله يناجيك، فتتعلم الصمت والإنصات، وتقف على هوامش اللغة، فلا تقيم حاجزاً بين قلبك وأصوات الكون... بل تسمع صمت الزهر وهمس الجبال وصرخة السلالة والتاريخ في أغوار وطنك.

التيسير... هو أن تعيش اللحظة كأنها كل الوقت... وأن تملك القلوب كأنك لا تملك شيئاً... وأن تحب كأنك لم تُجرَح أبداً... وأن تدعو الله أن تُنسى كأنك لم تكن، فتغدو أكثر تحرراً وتعبّداً لله...

التيسير... أن تنزع عنك ثياب التعسير التي نسجتها من خيوط الظنون. وتقفز فوق ظنونك، فالشيطان «يعدكم الفقر» والله واسع العطاء... فمن يعرف الله لا يخاف الغرق، بل يغرق في اليقين ويخرج منه شاهداً: «ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجاً».

... وكل ما لم يذكر فيه اسم الله... أبتر... وكل ما لا يراد به وجه الله... يضمحل.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد