: آخر تحديث

التنمية المهنية بين الفائدة والعبء

9
8
8

منى العتيبي

لاحظت في عدد من المؤسسات أنها تنظم طيلة السنة برامج تدريبية بهدف التنمية المهنية وبعضها تركّز على مواردها البشرية بشكل مكثف وبعدد من البرامج التي تفوق الاحتياج وقد تصب كلها في أشخاص محددة من المؤسسة يحددها المدير للمؤسسة أو الجهة المدربة دون أن تكون هناك معايير واضحة لتحديد الاحتياج والموظف المستهدف؛ ولا أنكر بأن التنمية المهنية أصبحت جزءًا أساسيًا من إستراتيجيات التطوير المؤسسي، ولا شك أن الاستثمار في تنمية مهارات الموظفين يعكس وعيًا متقدّمًا بأهمية الكفاءات البشرية في تحقيق النجاح المستدام.

ولكن، ماذا يحدث عندما تتحوّل هذه التنمية من دعم إلى ضغط؟ من وسيلة إلى غاية؟ من دافع للإبداع إلى مصدر للإرهاق؟

حين يُغرق الموظف بسيل لا ينتهي من الدورات وورش العمل والتقييمات، تتآكل فعاليته تدريجيًا. فبدلاً من أن يتفرغ لتطبيق ما تعلمه أو الإبداع في مجاله، يصبح أسيرًا لجدول تدريبي مزدحم، وأحيانًا غير ذي صلة بتخصصه، وهذا يخلق نوعًا من «التعلم القسري» الذي يُفقد التنمية معناها الحقيقي، فالتنمية المهنية لا تكون فعّالة إلا إذا انطلقت من حاجة حقيقية مرتبطة بأهداف العمل واحتياجات الموظف. أما في حال كانت مجرد استجابة لاتجاهات عامة أو ممارسات تقليدية، فإن أثرها قد يكون عكسيًا، بل وقد تُستهلك الموارد دون عائد ملموس.

أرى وقد قلت ذلك سابقًا في عدد من المقالات، إن التركيز المبالغ فيه على جمع الشهادات والمؤهلات قد يدفع البعض للانشغال بـ«الكم» على حساب «النوع»، فيتحول الأداء إلى سباق نحو أوراق لا تنعكس دائمًا على الواقع العملي، ويصبح التقييم مبنيًا على مخرجات شكلية بدلًا من أثر حقيقي.

التنمية المهنية أداة ثمينة، لكن استخدامها بشكل غير متوازن قد يحوّلها من قوة دفع إلى عامل إنهاك، المطلوب هو التأني، والتخطيط الذكي، وربط التدريب بأهداف واضحة، ومراعاة الفروق الفردية، واحترام وقت الموظف وطاقته، فليس كل تطور يُقاس بعدد الشهادات، بل أحيانًا، يكمن التقدّم الحقيقي في منح الموظف المساحة لينضج بخطواته الخاصة ويتعلّم بمحاولاته ويتطوّر وهو ما زال يستمتع بعمله.

ختامًا.. التنمية المهنية إذا زادت عن الحاجة خرجت عن الهدف وتحولت من الفائدة إلى العبء.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد