أسامة يماني
يقتضي التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية، في سياق علاقاتها بدول الشرق الأوسط وتحيّزها التاريخي لإسرائيل، فهماً عميقاً للسياسة الأمريكية والديناميكيات الإقليمية. ففي زمن لم تعد فيه الطاقة تشكّل ورقة ضغط تجعل أمريكا تأخذها في الحسبان كما كان الحال قبل ثلاثين عاماً، تبرز عدة إستراتيجيات يمكن لدول المنطقة اتباعها.
تتمثّل الإستراتيجية المثلى في مزيج متوازن من القوة الناعمة والضغط الاقتصادي وتنويع التحالفات، مع تجنّب أي مواجهة مباشرة قد تدفع واشنطن إلى مضاعفة دعمها لإسرائيل. تقتضي الواقعية السياسية التعامل مع التحيّز الأمريكي كمعطى تاريخي ثابت، مع السعي لتغييره عبر أدوات طويلة الأمد مثل الدبلوماسية الشعبية وإعادة التوازن الجيوسياسي.
تكمن المشكلة الحقيقية في عامل الزمن الذي يعمل ضد المصالح العربية، فإسرائيل تتوسع بوتيرة متسارعة، بينما تدفع الولايات المتحدة نحو شرق أوسط جديد يهمّش القضية الفلسطينية. هذا الواقع يجعل من «العلاج التدريجي» إستراتيجية غير مجدية في مواجهة الزحف الاستيطاني والتحوّلات الجيوسياسية المتسارعة. لا ينتظر التوسع الإسرائيلي أحداً، فالاستيطان والضم في الضفة الغربية يتسارعان تحت حكومة يمينية متطرفة ترفض مبدأ حل الدولتين.
رغم بعض الانتقادات الأمريكية للسياسات الإسرائيلية مثل الاستيطان، إلا أن الدعم العسكري والسياسي لواشنطن لم يتزعزع، كما يتجلى في الموافقة على صفقات أسلحة بمليارات الدولارات أثناء حرب غزة 2023-2024. يهيمن اللوبي الإسرائيلي (AIPAC) على الكونغرس، حيث تدعم الأغلبية الساحقة إسرائيل بغض النظر عن انتهاكاتها، بينما تظل محاولات العرب لموازنة هذا النفوذ، مثل اللوبي العربي، ضعيفة وغير فاعلة.
تجاوزت إسرائيل كل حدود اللياقة الدبلوماسية، تتصرف وكأنها القوة العظمى الوحيدة في المنطقة، غير مكترثة بأي مساءلة قانونية أو دولية، مستخدمةً القوة المفرطة ضد المدنيين والبنى التحتية دون تمييز.
في هذا السياق الصعب، برزت المملكة العربية السعودية بدور محوري من خلال التركيز على القانون الدولي لفضح الانتهاكات الإسرائيلية في المحافل الدولية، والسعي للاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة لتعزيز الشرعية الدولية للقضية، وتعزيز الدبلوماسية العامة والناعمة، ودفع الوحدة العربية والإسلامية، والعمل على التهدئة الإقليمية وبناء الثقة.
الخطر الوجودي يتسارع كطوفان مدمر، حيث لن تتوقف إسرائيل عن التوسع إلا إذا واجهت ثمنًا سياسيًا واقتصاديًا باهظًا، وهو ما يجب على الدول العربية بناؤه الآن قبل فوات الأوان. الوقت لم يفت بعد، لكنه ينفد بسرعة. تتلخص الإستراتيجية الفعّالة في خليط من الضغط الاقتصادي والدبلوماسي والعمل الدولي، مع تجنّب المواجهة المباشرة التي قد تنعكس سلبًا على الفلسطينيين.
يكمن الحل في توحيد الموقف العربي عبر آليات ردع جماعية مثل العقوبات الاقتصادية، وربط أي تعاون مع أمريكا وإسرائيل بخطوات ملموسة على الأرض، وعدم الاعتماد الكلي على واشنطن مع البحث عن حلفاء جدد، وتحويل القضية الفلسطينية إلى قضية رأي عام عالمي عبر منصات التواصل والمنظمات الحقوقية. فالبديل ليس سوى الاستسلام لشرق أوسط جديد تُمحى فيه فلسطين من الوجود.