: آخر تحديث

بين البراءة والجراءة

2
2
2

سهوب بغدادي

ذات مساءٍ عادي وقفت أمام بقالة الحي فلمحت طفلين أمام صندوق الحساب، بدا كلاهما متشبثًا بعود المثلجات، في ترقبٍ ينعكس من نظرتهما المليئة بالرجاء واستعجال البائع لكي ينتهي من عملية الدفع، إلا أنه كان يتحدث مع والد الطفلين باندماج، كانت الفتاة تلعق الغلاف بشراهة، أما الفتى لم يطل صبره فما كان منه إلا أن يلفت انتباه البائع عن طريق مسك يده والتربيت عليها لمرات متتالية ومناولته المثلجات. بعد هنيهة، شرعت شقيقته في الاقتداء به ومسك البائع بذات الطريقة لتنبيهه واستعجاله.

من هذا المنظر المعتاد بالنسبة للبائع، نجد أنّ الطفلة كبحت جماح رغبتها في الحصول على المثلجات لدقائق عن طريق فعل ينعكس على الذات ألا وهو لعق الغلاف، أما الطفل الآخر فقد قام بتوجيه رغبته إلى المحيط الخارجي ليتعدى من ذاته إلى البائع، معبرًا بذلك عن مكنونات داخله ورغباته.

هكذا نمضي حياتنا بين مواراة ومداراة وكشف لرغباتنا الدفينة، التي قد تنبثق إلى السطح قولًا أو فعلًا أو عبر تعابير الوجه.. بلا شك أنّ ما يدفع الأطفال هو البراءة، وخلوهم من السدود الاجتماعية والأسوار التقليدية، فإن عودهم لايزال غضًا وفكرهم لم يدنس برواسب الزمن بعد، بينما سينتقل هذا الطفل من البراءة إلى الجراءة في ذات الموقف إذا ربت على يد البائع؛ نظرًا لمعرفته ثقافة العيب وفضيلة الصبر والحكمة في تقديم الغير وما إلى ذلك من قوانين وتقاليد وعادات ناجعة من عدمها، عندها سيوصف ذلك الطفل الكبير بالجريء، فكم من صغير جريء وكم من كبير بريء؟ والأخيرة، غالبًا ما تجعل الشخص يقع ضمن دائرة السذاجة وقلة الخبرة، على كل حال، لا يهم تصنيفك عدا أن تعرف مواطن قوتك وضعفك، والأهم أن تكون راضياً عنها.

«أنا أنطق ما لا تجرؤ أنت على التفكير فيه» - دوستويفسكي


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد