كيف ينمو وطن؟ كيف ترتفع أمم؟ كيف تزهر حضارات؟ الإجابة تكمن دائمًا في عقول أبنائها، في شغفهم للمعرفة، وفي قدرتهم على الابتكار، ففي المملكة لم يعد هذا مجرد حلم يداعب الخيال، بل رؤية تتحول إلى واقع ملموس، مع قرار تاريخي يرسخ أعماق الذكاء الاصطناعي (AI) في تربة تعليمنا من رياض الأطفال حتى عتبات الجامعات، بدءًا من العام الدراسي 2025-2026. إنها ليست مجرد مادة تضاف إلى جدول الحصص؛ إنها بذرة تُزرع في كل عقل، لتُثمر جيلًا يضيء دروب المستقبل.
يمثل هذا القرار التعليمي الجريء نقلة نوعية في سياسة المملكة، فهو يتجاوز مجرد إضافة منهج دراسي ليصبح ركيزة أساسية في بناء مجتمع المعرفة، لطالما شددت رؤية السعودية 2030 على أهمية تمكين الكفاءات الوطنية، وبإدراج الذكاء الاصطناعي في المناهج من سن مبكرة، تسعى المملكة إلى غرس أساسيات التفكير الحسابي، ومهارات تحليل البيانات، والفهم العميق لتقنيات الذكاء الاصطناعي لدى النشء. هذا الاستثمار طويل الأجل يضمن تخريج أجيال قادرة على فهم هذه التقنيات وتطويرها وتوظيفها في مختلف القطاعات، بدلاً من أن تكون مجرد مستهلك لها.
يتكامل هذا القرار بشكل مثالي مع مبادرة «المليون سعودي للذكاء الاصطناعي» (سماي)، التي أطلقتها الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا). بينما تركز «سماي» على تدريب وتأهيل الكفاءات الموجودة في سوق العمل وتزويدهم بمهارات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، يأتي قرار دمج المنهج في التعليم العام ليضمن تدفقًا مستمرًا لأجيال جديدة مجهزة بهذه المهارات من أساسها، فهذا التناغم بين التعليم الأساسي والتدريب المتخصص يخلق بيئة حاضنة للابتكار ويضمن تحقيق أهداف المبادرة الطموحة بشكل مستمر وفعّال.
يُرسخ هذا القرار كذلك مكانة المملكة كدولة رائدة تسعى لأن تكون مركزًا عالميًا للابتكار والتقنية، عندما يصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ من ثقافة التعليم، فإنه يُعزز من قدرة المملكة على استقطاب الاستثمارات في قطاعات التقنية المتقدمة، وتطوير حلول محلية للتحديات العالمية. إنها سياسة دولة قائمة على العلم والإبداع، تدرك أن مستقبلها الاقتصادي والاجتماعي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمدى قدرتها على تبني وتطوير التقنيات الحديثة.
إن سوق العمل يتغير بوتيرة متسارعة، وتبرز وظائف جديدة تتطلب مهارات غير تقليدية، وبدمج الذكاء الاصطناعي في المناهج، تعمل المملكة على إعداد جيل مرن وقادر على التكيف مع هذه التغيرات، بل والمساهمة في تشكيلها، حيث يتعلم الطلاب الذكاء الاصطناعي وآليات التفكير النقدي، وحل المشكلات المعقدة، وتعزيز الإبداع، وهي مهارات أساسية لأي وظيفة مستقبلية.
هذا القرار الاستراتيجي بالطبع سيواجه بعض التحديات، أبرزها، تأهيل المعلمين وتزويدهم بالتدريب اللازم، وتوفير البنية التحتية التقنية المتطورة في جميع المدارس، وضمان أن المحتوى التعليمي يظل مواكبًا للتطورات السريعة في مجال الذكاء الاصطناعي، ومع ذلك، فإن الإرادة السياسية الواضحة والجهود المبذولة من وزارة التعليم و»سدايا» ووزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، تشير إلى عزم المملكة على تجاوز هذه التحديات.
إن قرار إدراج الذكاء الاصطناعي في المناهج السعودية استثمار استراتيجي في المستقبل، حيث إنه يجسد رؤية دولة تدرك أن مفتاح التنمية والازدهار يكمن في عقول أبنائها وقدرتهم على الابتكار والإبداع، ليصبحوا وقودًا لمسيرة التنمية الشاملة التي تشهدها المملكة.