: آخر تحديث

الضمانات التي لم تضمن شيئاً... وأوروبا التي خذلت أوكرانيا!

4
4
4

حسين الراوي

منذ استقلال أوكرانيا عام 1991، وجدت نفسها دائماً بين مطرقة الطموحات الروسية وسندان الوعود الغربية. على مدى ثلاثة عقود، حصلت كييف على سلسلة من «الضمانات الأمنية» التي كان يُفترض أن تصون سيادتها وتكفل استقلالها، لكنها لم تكن في الواقع سوى أوراق فارغة لم تُوقف أي عدوان، ولم تردع أي غزو.

ففي عام 1994، تخلّت أوكرانيا عن ثالث أكبر ترسانة نووية في العالم، مقابل توقيع روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا على مذكرة بودابست. هذه الوثيقة تعهّدت باحترام حدود أوكرانيا وسيادتها، وعدم استخدام القوة ضدها. لكن ما إن جاء عام 2014 حتى مزّقت روسيا تلك الورقة بضم القرم، ثم واصلت عدوانها الشامل في 2022، بينما اكتفى الضامنون الغربيون بالعقوبات والتنديد.

وفي 31 مايو 1997، وقّعت أوكرانيا وروسيا ما عُرف بـ«معاهدة الصداقة والتعاون والشراكة»، التي دخلت حيّز التنفيذ عام 1999.

هذه المعاهدة نصّت بوضوح على: الاعتراف المتبادل بالحدود، الامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها، احترام وحدة الأراضي الأوكرانية، بما فيها القرم، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

لكن موسكو انتهكت كل بند فيها عند أول فرصة: عام 2014، احتلت القرم بالقوة، في خرق مباشر لبند احترام الحدود، ودعمت الانفصاليين في دونباس، مخالفة مبدأ عدم التدخل، وفي 2022 شنّت غزواً شاملاً أطاح بالمعاهدة من أساسها.

المفارقة أن هذه المعاهدة بقيت سارية رسمياً حتى 2019، أي إن روسيا كانت تواصل احتلال القرم بينما هي «موقّعة» على وثيقة تُلزمها باحترام وحدة أوكرانيا!

وفي عاميّ (2014/ 2015) من خلال وساطة ألمانية وفرنسية، جرى توقيع اتفاقيات مينسك لوقف الحرب في دونباس. لكنها لم تُنفّذ يوماً، إذ واصلت روسيا دعم الانفصاليين، وظلت أوكرانيا تنزف حتى جاء الغزو الشامل في فبراير 2022، ليكشف مرة أخرى هشاشة الضمانات الدولية.

الحق أن أوروبا لم تكتفِ بترك الضمانات تنهار، بل أظهرت على مدار السنوات الثلاث الماضية من الحرب الكبرى وجهاً جباناً. فهي لم تضم أوكرانيا إلى حلف «الناتو» رغم مطالبها المستمرة وحقها المشروع في الحماية، وترددت في تقديم السلاح النوعي الذي يمكّن كييف من ضرب العمق الروسي وردع المعتدي، واكتفت بتسليح دفاعي يبقي أوكرانيا في موقع المتلقي للضربات، ووقفت متأرجحة بين الخوف من روسيا والحسابات الاقتصادية، بدل أن تتبنى موقفاً حاسماً يحمي دولة أوروبية تتعرض يومياً للقصف والتدمير. والنتيجة أن المدن الأوكرانية تُقصف يومياً، المصانع تُدمّر، المزارع تُحرق، محطات الكهرباء والمياه تنهار، وحتى المسارح والبنية التحتية المدنية لم تسلم من وابل الصواريخ الروسية.

إن التجربة الأوكرانية تقول بوضوح: الضمانات الورقية لا تحمي أحداً. ما لم تُترجم التعهدات إلى أفعال ملموسة -كعضوية في «الناتو»، تحالف دفاعي حقيقي، أو وجود قوات دولية رادعة على الأرض- ستظل السيادة مهددة، والاستقلال مجرد شعار.

أوروبا التي قدّمت وعوداً فارغة لثلاثة عقود، مطالبة اليوم بأن تختار: إما أن تثبت أنها قوة قادرة على حماية القيم والحرية، أو أن تظل أسيرة جبنها، ليكتب التاريخ أن قارة كاملة تركت أوكرانيا تواجه مصيرها وحدها!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد