: آخر تحديث

في أي اتجاه تسقط الشجرة؟

3
3
3

محمد ناصر العطوان

تقول الحكمة القديمة، المتوارثة بأصوات المزارعين الذين يعرفون الأرض كما يعرفون راحتَيْ أيديهم... «إن الشجرة تسقط في الاتجاه الذي تميل إليه... في الاتجاه الذي تتكئ عليه».

هكذا نحن... نحن أبناء هذا العالم، نبني أركاننا واحداً تلو الآخر. ننحت من الصخور دعامات لوجودنا، وننسج من الخيوط البشرية شباكاً نعتقد أنها ستلتقطنا إذا سقطنا.

نبحث عن نقطة ارتكاز للكون كله، عن شيء نمنحه ثقلنا كله فيقول لنا «لا تخف، أنا هنا».

نلتقط حجارة القوة، فنبني منها سوراً عالياً. المال، المنصب، العلاقات، الأفكار، الأيديولوجيات. نلمسها بأصابعنا لتطمئن قلوبنا الخائفة. نضع ظهرنا عليها ونسترخي، ونغمض أعيننا عن حقيقة واحدة.. أن كل حجر هو من صنع البشر، وكل ما صنعته يد البشر قابل للتحطم.

ذلك الركن الذي نعتقد أنه صلب، ذلك الغصن المتين الذي نتمسك به، يمكن أن يتحول فجأة إلى قشة تغرق بها...

القوة التي استندنا إليها بالأمس، تصبح اليوم نقطة ضعفنا. النجاح الذي اختبأنا خلفه، يتحول إلى سجن شفاف...

الحب الذي اعتقدناه ملاذاً أخيراً، يتبخر كندى في شمس الظهيرة. إنه الانزياح الخفي في أساسات العالم.. كل ما نعطيه قوة علينا، يكتسب -في اللحظة ذاتها- القدرة على هزيمتنا.

لكن هناك ركن لا ينهار... هناك متكأٌ لا ينكسر.

إنه ذلك الصوت الذي لا يأتي من صخرة منحوتة، أو من غابة مليئة بالأغصان القابلة للانكسار... إنه ليس فكرة يبتكرها عقل خائف، وليس نظاماً يبنيه بشر قلقون.

إنه الركن الذي لم تصنعه يد بشر، والمتكأ الذي لا يعرف معنى للخيانة.

إنه الله.

الحضور المتوهج في صمت الليل، في عراء الصحراء، في قلب المحنة... هو الواسع الذي لا قاع له، الذي نستطيع أن نسقط فيه من دون خوف من الصخور في القاع، لأنه لا قاع. هو الثابت الذي لا يهتز حتى عندما تترنح كل الأرضين.

الاستناد إليه لا يعني الهروب من العالم، بل دخوله بقوة جديدة. يعني أن تحمل في يديك كل أركانك الأرضية، كل نقاط قوتك وضعفك، وتعرف أنها مجرد أدوات، وليست آلهة... أن تحب بشدة، وتعمل بشغف، وتبني بحماس، لكنك تضع كل ذلك في جيب القلب الأيسر، وتعلم أنك إن سقطت، فلن تسقط في اتجاههم. سوف ترتفع فقط في اتجاهه هو.

فالشجرة الوحيدة التي لا تسقط، هي التي تتكئ على السماء. والركن الوحيد الذي لا ينهار، هو الذي لا يستند إلى الأرض وحدها... وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر... وكل ما لا يُراد به وجه الله... يضمحل.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد