: آخر تحديث

صراع البقاء والتأهل

2
2
3

في أمسية عربية تتشابك فيها الآمال بالترقّب، وتستيقظ فيها ذاكرة البطولات على وقع تحديات جديدة، تتقدّم منتخبات الجزائر والإمارات، والأردن والعراق نحو ربع نهائي كأس العرب، محمّلةً بأحلام جماهيرها وبأسئلة لا تجيب عنها إلا اللحظات الأخيرة فوق العشب الأخضر. هي ليلة تتجاوز حدود المنافسة، إذ يجد الجمهور العربي نفسه على موعد مع كرة قدم تعيد وصل ما انقطع بين الشغف والانتماء.

على ملعب البيت، يدخل المنتخب الجزائري متكئاً على خبرته في حمل اللقب، وبخطى هادئة رغم بدايته المتعثرة أمام السودان. غير أن تلك البداية لم تكن سوى ومضة عابرة؛ فسرعان ما استعاد “محاربو الصحراء” شخصيتهم الصلبة، فعادوا إلى نسق القوة المعهود، دكّوا شباك البحرين بخماسية، ثم اجتازوا العراق بثبات وحسن إدارة للمباراة. خبرة بوقرّة ولاعبيه تمنح الجزائر وزناً معنوياً كبيراً، لكنها خبرة تحتاج إلى ترجمة حقيقية أمام منتخب إماراتي استعاد شيئاً من بريقه، وبدأ يقترب تدريجياً من ملامحه الفنية تحت قيادة كوزمين أولاريو.

الإمارات، التي عانت من تذبذب النتائج، تبدو اليوم أكثر تماسكا وإصراراً. لاعبوها يدركون أنهم أمام فرصة نادرة لصنع صفحة جديدة في تاريخهم الكروي، خاصة إذا أحسنوا استغلال التفاصيل الصغيرة التي قد تصنع الفارق في مواجهة من هذا الوزن. قد تميل الحسابات لصالح الجزائر، لكن كرة القدم كثيراً ما أعادت رسم المشهد من حيث لا يتوقع أحد، مانحةً المفاجأة حقّها في الظهور.

وعلى الجانب الآخر، يكتب المنتخب الأردني فصلاً مغايراً؛ فالنشامى هم الفريق الوحيد الذي وصل إلى هذا الدور بالعلامة الكاملة، بثلاثة انتصارات رسّخت ثقةً داخلية وأعادت للجماهير إحساس الحلم الممتد. أداء الأردن مزج بين الانضباط والجرأة، وبين صلابة الدفاع وبراعة التحولات، في صورة منتخب لا يخشى مواجهة أي خصم.

لكن العراق ليس منافساً عادياً. فهو منتخبٌ عرفته الملاعب العربية مقاتلاً حتى الرمق الأخير، لا ينكسر بسهولة ولا يستسلم لحسابات الظروف. ورغم غياب بعض العناصر والإرهاق الذي ظهر في المباريات السابقة، يظل العراق قادراً على قلب الموازين، بفضل شخصية لاعبيه ورؤية مدرب يعرف كيف يدير المباريات الصعبة.

ومع اقتراب صافرة الانطلاق، تتضارب الأسئلة في ذهن الجمهور العربي:

هل يواصل الأردن مساره المضيء، أم يستعيد العراق حضوره في اللحظات الحاسمة؟

وهل ينجح المنتخب الجزائري في حماية تاجه، أم تمنح الإمارات البطولة واحدة من كبرى مفاجآتها؟

ما هو مؤكّد أن ليلة الحسم ستضيف سطراً جديداً في رواية الكرة العربية؛ رواية لا تُحسم بالأرقام ولا بالترشيحات، بل بشجاعة من يحوّل الفرصة الصغيرة إلى انتصار كبير.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.