: آخر تحديث

مقاربة ثقافية لجهود أمانة منطقة الرياض

3
3
3

سهم بن ضاوي الدعجاني

بدأت علاقتي بندوة آل حسين التأريخية بمدينة الرياض، منذ أعوام ولفت نظري ذات يوم تعاون مثمر بين أمانة منطقة الرياض وهذه الندوة العريقة لصاحبها المستشار عبدالعزيز الحسين، وهو تعاون يعد الأول من نوعه على مستوى الصالونات الأدبية على مستوى المنطقة، ثم تابعت تغطيات حساب أمانة منطقة الرياض على منصة X، ونشره لفعاليات منفذة بالتعاون بين الأمانة وعدد من الصالونات الأدبية بالرياض (ندوة آل حسين التأريخية وأحدية العبدلي الخ)، قادني ذلك لتتبع السياق الثقافي الذي تنتهجه أمانة منطقة الرياض في مختلف مناشطها التي تستهدف سكان العاصمة الرياض، وعندما اطلعت على كتاب الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله- «مدينة الرياض عبر أطوار التأريخ» عام 1386 هـ - 1966م، الذي أهداه الشيخ إلى سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله- إبان توليه إمارة منطقة الرياض قائلا في المقدمة: «إلى أمير الرياض، حضرة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز تقدم دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر هذا البحث عن تأريخ مدينة الرياض» كما يواصل قوله في المقدمة: «كنت تحدثت -في مناسبات- عن تأريخ مدينة الرياض ونشرت صحف البلاد والأهرام وقافلة الزيت والأديب واليمامة مقالات لي في الموضوع»، ومن خلال استعرض سريع لهذا الكتاب نجد أن:

مدينة الرياض قامت على أنقاض مدينة «حجر»، وقد سكنتها قبيلتا طسم وجديس، ولقد كان بروز اسم الرياض، حسب ما يراه علامة الجزيرة:

في القرن الثاني عشر أطلق اسم الرياض على ما تبقى من المحال القديمة من مدينة حجر «معكال» و»مقرن» و»العود» وغيرها، وعند ذكر قصة نشأة المكتبات العامة في مدينة الرياض كمؤشر حيوي على الفعل الثقافي داخل هذه المدينة بشكل مبكر، يذكر الشيخ حمد الجاسر رحمه الله: «ولكن عهد الرياض بالمكتبات العامة بدأ من سنة 1363هـ، حيث أنشأ الأمير مساعد بن عبدالرحمن الفيصل أول مكتبة عامة في هذه المدينة خصص لها جانبا من بيته.

في سنة 1373هـ، افتتحت (المكتبة السعودية) تحت إشراف مفتي البلاد الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ -رحمه الله- مجاورة لمسجد فضيلته، كما يواصل علامة الجزيرة رصده لتأسيس المكتبات العامة في الرياض فيذكر:

«ثم توالى فتح المكتبات، فتحت أمانة مدينة الرياض مكتبة عامة ألحقت فيما بعد بوزارة المعارف، وفتحت الوزارة نفسها مكتبة عامة أخرى، وفتحت جامعة الرياض مكتبة تابعة لها»، وهنا نلاحظ أن أمانة مدينة الرياض، كما كانت تسمى في تلك الفترة بادرت بافتتاح مكتبة عامة انتقلت ملكيتها لوزارة المعارف آنذاك، وهذا مؤشر مهم على البعد الثقافي التاريخي لأمانة منطقة الرياض، بتوفير مصادر القراءة من خلال مكتبة الأمانة العامة لسكان مدينة الرياض.

المشهد الثقافي بمدينة الرياض

الدارسون لتأريخ الحركة الثقافية بمدينة الرياض يتفقون على أن مؤسس ثقافة الرياض وباني نهضتها الثقافية ومؤسساتها التي تعنى بالثقافة والفكر والتأريخ الوطني هو خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله- الذي وضع اللبنة الأولى للمشهد الثقافي بهذه المدينة النابضة بالحياة والثقافة والفكر والتاريخ، فقد منحها -أطال الله عمره- أكثر من خمسين عاما من الإدارة والبناء والتأسيس، عندما تولى إمارة منطقة الرياض، فبنى وأسس معمار الثقافة في منطقة الرياض، فالجميع يعد الرياض حكاية كتب فصولها الملك سلمان بن عبدالعزيز على مدى نصف قرن من البناء والتطوير لمفاصل جسد الثقافة لهذه المدينة التي باتت تتنفس الثقافة والعلم والحياة، فهو المهتم الأول بالتأريخ والثقافة، بل هو حارس ذاكرة الدولة، فقد عاش وولد في الرياض ودرس في قصر الحكم، والملك يشهد من عرفه عن قرب أنه قارئ حصيف، يقرأ (43) كتابا في الشهر الواحد ويعلق عليها ويضع ملاحظات، بل يتواصل مع الباحثين والكتاب، فهذا الطقس وهذه البيئة هي التي جعلت من الرياض مدينة تهتم بالتأريخ والفكر.

الرياض عاصمة الثقافة العربية

اختيرت الرياض لتكون «عاصمة الثقافة العربية» في عام 2000م، وذلك تقديرا لمكانتها الثقافية والفكرية في العالم العربي، ولما شهدته من حراك ثقافي واسع في ذلك الوقت. تعد هذه المبادرة حدثا مهما يعزز من أهمية المدن ودورها في إبراز التراث الثقافي العربي.

مجلة العربي الكويتية أجرت حوارا مع الملك سلمان بن عبدالعزيز قبل 25 سنة، وسألته: عن الاقتراحات التي وضعها حتى يبقى النشاط متواصلا في الرياض طوال العام وحتى بعد انتهاء المناسبة؟ قال الملك سلمان: «إن الدعم والاهتمام اللذين يحظى بهما النشاط الثقافي من حكومتنا الرشيدة لها الدور الكبير في تواصل هذا النشاط سواء في هذه المناسبة وهي اختيار الرياض عاصمة الثقافة العربية أو عقب انتهاء فعاليات هذه المناسبة، ومن المؤكد أن الاحتفال بالرياض عاصمة ثقافية للعرب وصدور مطبوعات وإقامة برامج وفعاليات جديدة بهذه المناسبة سيهيئ مناخا جديدا للحوار والنقاش الفكري والثقافي لسنين قادمة، واهتمام المثقفين العرب بالرياض مستمر لأن الرياض عاصمة لدولة لها مكانتها الإسلامية ووزنها الثقافي والمعرفي، لذا النشاطات سوف تستمر من خلال القنوات الثقافية المعروف»، وهنا نلاحظ بعد النظر لدى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز والرؤية الواضحة لمعالم المشهد الثقافي الذي نعيشه اليوم قبل ربع قرن من الزمان.

جهود الأمانة في المجال الثقافي

بدأت أمانة منطقة الرياض عام 1356هـ، وقبل كان اسمها «بلدية الرياض» وتتمحور رؤيتها لتكون أمانة رائدة لرياض مزدهرة ومستدامة ترتقي بجودة الحياة، وتتعدد أدوارها ومسؤولياتها فهي جهاز جغرافي وليس قطاعيا، وأهم مجالات عمل الأمانة: مستقبل المدينة، البنية التحتية، الإدارة اليومية للمدينة، الاستدامة البيئية للمدينة.

مشروع ذاكرة الرياض

أطلقت أمانة منطقة الرياض قبل فترة مشروع حصر وتوثيق مباني النصف الثاني من القرن الـ20 في العاصمة تحت شعار «ذاكرة الرياض»، لرصد مراحل التطور المعماري والعمراني في المدينة وتوثيقها، وإبراز ما شهدته الرياض من نهضة تنموية متميزة خلال 50 عاما، تماشيا مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، والمشروع يسلط الضوء على دور خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في نهضة وتنمية الرياض إبان إمارته للمنطقة، من خلال حصر أهم المعالم العمرانية ذات القيمة التاريخية، المعمارية، والاجتماعية، وصولا إلى إيجاد آلية للحفاظ على هذه المعالم واستثمارها، إيمانا منها بالأبعاد الاجتماعية والثقافية للبيئة العمرانية.

اللجنة الثقافية بالأمانة

لتعزيز البعد الثقافي والتاريخي للمدينة والمنطقة، جاءت اللجنة الثقافية بالأمانة التي تضم عددا من أساتذة الجامعات والباحثين والمهتمين بالشأن الثقافي ليسهموا في صناعة القرار الثقافي في جهاز الأمانة من خلال: المساهمة في إبداء الرأي لمشروعات الأمانة المتعلقة بالجوانب الثقافية والتأريخية، والمساندة في اتخاذ القرارات المتعلقة بالجوانب الثقافية والتأريخية في منطقة الرياض، وإطلاق المبادرات المتعلقة بالبعد الثقافي والتاريخي للمدينة والمنطقة. إثراء المحتوى الثقافي والتاريخي عبر الأبحاث الثقافية والتخصصية.

العناية بالمنتديات الأدبية

لم تكتف الأمانة بالشراكة مع الصالونات الأدبية بمدينة الرياض، بل أطلقت ديوانية الرياض بجوار قصر المصمك، لتصبح منارة ثقافية تهتدي بها بقية منتديات العاصمة الأدبية.

ديوانيات الغالين

يقول عنها سمو الأمين الأمير الدكتور فيصل بن عبدالعزيز بن عياف: (ديوانيات الغالين، مساحة اجتماعية لفئة عزيزة على قلوبنا، افتتحت وسط الأحياء لتعزز الترابط بين سكان الحي، وتخلق فراغات عامة تتفاعل مع احتياجاتهم وترتبط بهم).

مقترحات

1. رصد الصالونات الأدبية بمدينة الرياض وبناء قاعدة معلومات، وتصنيفها حسب الفئة المستهدفة ونوعية القضايا المطروحة.

2. تطوير ديوانية الرياض، وتنفيذ أنشطة مشتركة، وتوقيع مذكرات تفاهم مع أبرز الصالونات الأدبية في الرياض.

3. البحث عن المكتبة العامة التي فتحتها أمانة مدينة الرياض وتحديد مكانها وتحويله إلى متحف تأريخي يوثق لمساهمة الأمانة في نشأة الثقافة بمدينة الرياض.

4. مد جسور التواصل مع وزارة الثقافة للتواصل مع المقاهي الأدبية في مدينة الرياض التي أصبحت علامة فارقة في الشارع السعودي، لإيصال رسالة الأمانة الحضارية لسكان العاصمة.

5. التوسع في تأسيس ديوانيات الغالين في مختلف الأحياء.

6. أن تشمل مبادرات الأمانة بقية محافظات المنطقة.

7. برنامج تحسين بيئة المساجد ومستقبل الأحياء ودورها الثقافي.

أخيرا

شكرا لسمو أمين منطقة الرياض الذي يكرر بشكل مستدام هذه العبارة: الرياض هاجسي وقضيتي، وفريق العمل معه.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد