: آخر تحديث

حكايات الفراعنة... مرة أخرى

1
1
0

بالطبع كان للبيئة الزراعية في مصر الفرعونية الأثر الكبير في الاستقرار وبناء الحضارة. وكذلك كانت أيضاً سبباً مباشراً من أسباب صفاء الذهن وسعة الخيال عند المصريين القدماء. وقد ظهر هذا جلياً في الأدب المصري القديم، وبخاصة أدب القصة أو الحكاية.

وقد تناولنا في المقال السابق عدداً من أنواع القصص المختلفة التي حفظتها لنا حضارة مصر القديمة على أوراق البردي. وتوقفنا عند القصة المعروفة بـ«قصة الأخوين»؛ تلك القصة التي نقلها لنا كاتب من عصر الأسرة التاسعة عشرة.

تتكون القصة من بداية مُحكمة، تبدأ بوصف دقيق لشخصيتَي القصة -أو بطلَيها- وهما: أنوبيس، الأخ الأكبر المتزوج الذي يؤوي معه في بيته أخاه الأصغر باتا. يعامل أنوبيس أخاه الأصغر باتا كابن له، ويستعين به في زراعة الأرض ورعي الماشية. أما باتا فهو مزارع بارع وراعٍ ماهر يفهم لغة الحيوان. تمضي الأيام ويصير باتا شاباً يافعاً، وتهيم زوجة الأخ الأكبر أنوبيس به عشقاً. وفي يوم من الأيام، عاد باتا من الحقل لأخذ بعض البذور ليعود بها إلى الأرض، فاستوقفته زوجة الأخ وراودته عن نفسه، فأبى ونهرها، ومضى عائداً إلى الحقل. وفي المساء عندما عاد أنوبيس إلى البيت وجد زوجته متمارضة تقيء، وقد صبغت جسدها كما لو كان أحد اعتدى عليها بالضرب! وعندما سألها زوجها عمَّن فعل بها هذا؟ قالت له: «إنه أخوك باتا! عاد إلى المنزل وحاول مواقعتي فنهرته، وقلت له: ألست كأُم لك؟ وزوجي أليس كأب لك؟».

استشاط أنوبيس غضباً حتى كاد أن يحرق البيت، وقام فسنَّ حربته، وتربص لأخيه باتا ليقتله بمجرد عودته بالماشية إلى الحظيرة الملحقة بالمنزل. وبالفعل عاد باتا ومعه الماشية كعادته كل مساء، وبمجرد أن دخلت البقرة الأولى من باب الحظيرة حتى نادت على باتا تحثه على الهرب؛ لأن أخاه يتربص له خلف الباب ومعه حربته! وكذلك فعلت البقرة الثانية بمجرد مرورها من باب الحظيرة، ونظر باتا أسفل الباب فرأى قدمَي أخيه ومعه حربة القتال، فتيقن من حديث البقرتين، فألقى ما يحمله من أعشاب وفرَّ هارباً.

تنبه أنوبيس لفرار أخيه، فأخذ يعدو خلفه وهو مُصِرٌّ على قتله. وصل باتا إلى بحيرة مملوءة بالتماسيح، وأخذ قراره بأن يلقي بنفسه في البحيرة فتأكله التماسيح، خيراً له من أن يُقتل على يد أخيه. تستمر القصة، ويعبر باتا إلى الشاطئ الآخر للبحيرة سالماً، من دون أن تمسه التماسيح. وعندما يصل أنوبيس إلى البحيرة ويشاهد التماسيح العملاقة وهي تتقاتل! لا يجرؤ على النزول في الماء لملاحقة أخيه.

هنا تبدأ المواجهة، ويعرف باتا لماذا يريد أخوه قتله، ويعرف من وشى وغدر به. يقسم باتا لأخيه بأنه ما فعل شيئاً يغضب الإله، ويقص عليه ما حدث، ولكي يثبت لأخيه أنه لم يسعَ في يوم خلف غرائزه، يستل سكيناً ويقطع به إحليله، ويلقي به في الماء، ويسقط مغشياً عليه.

عند هذا المشهد يستيقن أنوبيس أن أخاه صادق، وأن زوجته خائنة، ويحزن حزناً شديداً على أخيه، ويعود إلى منزله، وعندما يرى زوجته تتصور له كشيطانة يقتلها، ويلقي بجثتها إلى الكلاب. وتستمر أحداث القصة من فصل إلى آخر، فتخبرنا عما حدث مع باتا الذي هجر البلاد ونزل في بلاد الأرز (لبنان الآن) وهناك عاش على صيد الحيوانات، واستطاع أن يشيد قصراً بين أشجار الأرز، ويهبه الإله عضوه المفقود مرة أخرى، لكي يتزوج من فتاة لا يوجد لها مثيل في الجمال... وتستمر الحكاية إلى أن يلتئم شمل الأخوين مرة أخرى بعد فصول من الأحداث المثيرة التي تدور في أجواء أسطورية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد