عبدالعزيز التميمي
كثيراً ما يوجه إلي هذا السؤال: ماذا تعني فنون ما بعد الحداثة؟ أو ما مفهوم الفن الحديث؟ فيكون جوابي مجرداً من الأنانية أو الانحياز للفنون التشكيلية الواقعية، المبنية على الأسس والقواعد الفنية المتعارف عليها في الكليات والمعاهد الفنية في كل أنحاء العالم، وهذا ما تحدده المناهج الأكاديمية.
وجواباً عن السؤال «ماذا تعني... إلخ»؟ أقول إن الفنون كلها مترابطة ببعضها، يساند الأول الثاني، وهكذا... لكن النقاد قسّموا الفنون إلى أجزاء، منها المعتمد على الأطر المتعارف عليها منذ عصر النهضة في القرن الخامس عشر، الذين يرون الفن التشكيلي لغة واقعية تختصر الطبيعة عبر لوحة مكونة من قطعة قماش وبرواز رسم عليها منظر محدد بهدف إضافة لمسة جمالية على المكان الذي تعرض فيه اللوحة...
وكأنه اختزل ألف كلمة ووصف في لوحة واحدة... تقرأ بصرياً بدقائق.
والطرف الآخر له رأي آخر، وهم أنصار الحداثة وما بعد الحداثة، معتبرين أن أساس الفنون كلها من حس عميق في النفس البشريه تخرج تحت تأثير الانفعال والتأثيرات الخارجية على الحالة الفنية التي يعيشها الفنان، ساعة تنفيذ اللوحة. وبعد ذلك طرح رؤيته على الجمهور الذي قد يتفق معه حول موضوع اللوحة الكثير والعكس كذلك صحيح. وأركز على كلمة «موضوع اللوحة».
وهنا يأتي السؤال المهم: هل ستجد اثنين أو خمسة يتفقون على قراءة واحدة للعمل المعروض؟ أو هل هناك مقاييس علمية غير القواعد القديمة التي درسناها خلال السبعين سنة الماضية؟ أم أن كل واحد من المتلقين له وجهة نظره في اللون والخطوط والفراغات... إلخ من عناصر اللوحة.
أقول، نعم لكل متلقٍّ رؤيته التي ليس بالضرورة أن تتفق مع الحالة النفسية التي كان تحت تأثيرها وقت الرسم... وكثيراً ما ينسى الفنان تلك المشاعر التي عاشها في زمن مضى وانتهى، لأن الإنسان عرف عنه أنه وليد الساعة، فالفن التكعيبي مثلاً له مقاييس وكذلك السريالية أو التجريد أو الواقعية التي قدمها كلود مونيه وطورها سيزان وفان غوغ وجوغان وغيرهم الذين جاءوا بعد القرن السابع عشر من الفنانين التشكيليين العالميين.
لهذا، فالفن الحديث إذا لم يخرج من عباءة الأصل من حيث المقاييس يكون كمن اختار لنفسه لباساً محدداً يختلف عن حاضره وماضيه ولخبط الشكل العام بشكل قد يكون مضحكاً لطرافته، ولكنه لبس الحذاء بدل القبعة والقبعة وضعها حول رقبته.
خلاصة الحديث، إذا لم يخاطب الفن المقدم أياً كان نوعه، مشاعر الناس وكسب رضاهم بقناعة وفهم واضح، أقول بكل صراحة لا داعي لهذه السطحية في الموضوع وعلينا التمسك بالفن الأصيل الذي نستطيع أن نقرأ أبجدياته بسهولة وفهم، ولا داعي لأن نسأل المنفذ ماذا تعني بهذا أو ما معنى ذاك.
فاللوحة الفنية تشرح نفسها ليتذوقها كل صاحب ذوق سليم. الفن ليس رؤية عشوائية لا هدف ولا رسالة لها... علينا فقط أن نُحَكّم الذوق بعد العين والعقل؛ فإن تساوت الرؤية فُهم العمل وقبله الجمهور قبولاً حسناً.