: آخر تحديث

هل الفكرة تموت؟

5
4
5

محمد الرميحي

يقول لك جازماً إن هذا الموضوع فكرة، والفكرة لا تموت، كأن يقول إن «البعث» فكرة والفكرة لا تموت، أو «حماس» فكرة والفكرة لا تموت، أو «حزب الله» فكرة وهي لا تموت. هذه المقولات وأمثالها تبدو لكثير من الناس مقنعة، ولكنها من أكبر أخطاء الثقافة السياسية العربية المعاصرة. الأفكار لا تأخذ صفة كونية، هي موضوعات للفهم وليست للتقديس.

الواقع يقول إن الفكرة تموت، وقد تتعفن، وقد تنحرف إلى ضدها في التطبيق. يمكن أن نضرب أمثلة على ذلك أن النصوص المقلقة تموت.

الاشتراكية الشيوعية، فكرتها العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة، والمساواة بين الطبقات. هذه الفكرة التي تبدو جاذبة، وانتشرت لدى مجموعات من الناس، تحولت إلى أنظمة سلطوية، الاتحاد السوفييتي والصين وكوريا الشمالية، أمثلة على ذلك، وتطورت في بعضها حتى تغير شكلها جذرياً، في هذه المجتمعات. لم تمح الطبقات، ولم يوزع دخل المجتمع على الجميع بالتساوي، ولم يقم ميزان العدل، بل ساد القمع والتسلط.

فكرة سامية أخرى هي العولمة، وأساسها التقريب بين الشعوب، والانفتاح الثقافي، وتداول السلطة. تلك الأفكار تحولت إلى وسيلة للسيطرة، وبخاصة سيطرة الشركات العابرة للحدود على مصادر الثروة، وزادت من الفجوة بين الشمال والجنوب، بل وفي المجتمع الواحد، سببت عاهات، منها الشعبوية، ورفع الحواجز الوطنية أمام الآخر.

فكرة أخرى هي الديمقراطية الليبرالية، في الأصل حكم الشعب، واحترام الحريات، وتداول السلطة، هذه الفكرة مع مرور الزمن، أصبحت شكلية في بعض الدول، ومرتهنة إلى رأس المال والإعلام في دول أخرى، وأنتجت الشعبوية واليمين المتطرف.

فكرة التنوير، وأصلها تحرير العقل من الخرافات، واعتماد المنهج العلمي والمنطق وكرامة الإنسان، تحولت في كثير منها، إلى تعالٍ على الثقافات الأخرى، وبخاصة غير الغربية، وبررت الاستعمار والفروق بين الشعوب.

أما الفكرة المركزية الأخرى فهي الدين، وهي كرسالة رحمة وعدل وتكريم خلق الله، تحولت في كثير من الحالات على مر التاريخ، واستخدمت لتبرير العنف والطائفية والاستبداد، وأصبحت وسيلة سياسية أكثر من مشروع روحاني.

أما القومية، وهي فكرة أخرى صلبها الاعتزاز بالهوية والثقافة واستقلالها، تحولت إلى أداة للإقصاء في كثير من المجتمعات وقوة عنصرية في المجتمعات المختلطة، واستخدمت أيضاً تبريراً للحروب.

كثيراً ما يقال عن حقوق الإنسان إنها فكرة لتعزيز الكرامة الإنسانية غير القابلة للانتهاك وتحقيق المساواة والعدل، طبقت هذه الفكرة بازدواجية، حسب الجغرافيا والمصالح والإثنيات، وأصبحت تخدم خططاً سياسية من الدول الكبرى والمتوسطة لفرض هيمنتها.

الحرية الاقتصادية أيضاً فكرة أساسها تمكين الأفراد من دعم الابتكار وتقليل التدخل من الدولة، أصبحت صيغة لتغول الرأسمالية، وتبرير تركيز الثروة والسلطة في يد أقلية، وهي على مستوى العالم لا تتجاوز 1%.

التعليم للجميع فكرة تمكن الإنسان من إطلاق الإبداع وتحرير العقل، وفي كثير من الأنظمة أصبح التعليم للجميع، وسيلة للسيطرة الأيديولوجية، والتلقين، وتسطيح التعليم، والحرمان من التفكير النقدي.

وأخيراً محاربة الإرهاب، وهي فكرة حماية المجتمعات من العنف، لكنها اتخذت كمبرر للرقابة، والاعتقال وحرمان الأفراد من حقوقهم الطبيعية، وتضييق حرية التعبير.

هذه بعض الأفكار، وما يشبهها التي نشأت تحت شعارات جميلة ومغرية، ولكنها في التطبيق انتكست إلى عكسها، وأنتجت الكثير من التعاسة الإنسانية.

إذن حزب الله، وحماس، والبعث، وغيرها من الشعارات المطروحة حولنا تتغير وتشيخ، وتنتج ما هو ضدها لذلك علينا أن نعيد النظر في الرأي الذي يتبناه كثيرون، أن الفكرة لا تموت، إنها تموت وتنتج أضدادها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد