: آخر تحديث

الشرق الأوسط الجديد.. بعض موجبات الحذر

4
5
5

محمد خالد الأزعر

يطلب المستحيل من يبحث عن الأمن والاستقرار وعلاقات التعاون المتبادل المتوازنة، في أي نطاق إقليمي جيوسياسي، تحتل فيه دولة أراضي دولة أخرى بالكامل، كما هو حال إسرائيل مع فلسطين.. أو تقضم فيه دولة وتحاول أن تهضم وتضم عنوة إلى مساحتها وسيادتها أجزاء من أراضي دول أخرى، كما هو حال إسرائيل مع سوريا ولبنان.. أو تستبيح دولة هندسة إقليم برمته وفقاً لحسابات وفوائد تخصها، لجهات مصادر القوة والتعامل مع التفاعلات الداخلية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتكنولوجية التنموية، كما هو حال إسرائيل مع كيانات الشرق الأوسط.

أيضاً لا يهتدي بمعايير الاستقامة الحقوقية، من يتحرى إحلال نظام للأمن والتعاون والسلام المستدام، في إقليم ترفع إحدى دوله راية العصيان ضد القوانين والشرائع والسنن والقرارات التي توافقت عليها الأمم المتحضرة، وكابدت مطولاً في إنشاء أطر مؤسسية تسهر على تطبيقها كالأمم المتحدة ومنظماتها الفرعية، مثلما تفعل إسرائيل في الشرق الأوسط.

واهم من يرغب في إشاعة أو بث الاطمئنان في أعطاف إقليم تجتهد إحدى دوله في الاستئثار بعناصر أو محددات قوة تكفي لردع بقية الشركاء الإقليميين، وإحداث خلل في توازن القوى معهم، فرادى أو مجتمعين لصالحها على غرار استحواذ إسرائيل لمشروع نووي سلمي وعسكري بالغ التقدم لا يخضع لأي رقابة دولية، دون سائر كيانات الشرق الأوسط بصورتيه القديمة أوالجديدة التي يجري تسويقها نظرياً ويراد إنفاذها واقعياً.

ولا يقل عن ذلك إيغالاً في اللاواقعية من يتصور أو يستسهل إنشاء مصفوفة للتفاعل الخلاق، في مجال إقليمي تتبنى إحدى دوله منظومة ثقافية أيديولوجية استعلائية تحكمها قوى حزبية بالغة التطرف تنام ويدها على الزناد، ويعينها على ذلك قوم آخرون يقفون على قمة هرم النظام الدولي مثلما هو حال إسرائيل ومكانتها المرجوة في الشرق الأوسط القديم أوالجديد.

هذه التنبيهات بمثابة غيض من فيض الحقائق والمحاذير، المنظورة وغير المنظورة التي يحاول دعاة الشرق الأوسط الجديد إغفالها والالتفاف عليها.

يتجاهل أصحابنا هذه التجربة، وكيف أنه ما تم غالباً تكريس مفرداتها وتفصيلاتها الجيوغرافية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية إلا بالقوة، الأمر الذي أفضى باعترافهم إلى تصدعها وأيلولتها للفشل.

الشاهد في كل حال، أن الأمن والتعاون الإقليمي بشروطه الحميدة ومفهومه المستقيم، لا يكاد يجد له محلاً من الإعراب في الشرق الأوسط بمحمولاته ومكوناته المطروحة راهناً للنقاش والمعالجة.. وأم العلل في هذا التقدير، تنطلق من إمعان النظر في الانحرافات والأمراض والأورام الخبيثة والقيوح التي يراد قيام الشرق الأوسط الجديد بعد تنحيتها والقفز عليها والتغافل عنها بل وكنسها تحت السجاجيد.

ولا يدعو للتفاؤل إهمال دعوة الأمن والتعاون في الشرق الأوسط الجديد للسوابق التاريخية المعتبرة، لا سيما تلك الموصولة بالجيران الأوروبيين في الشمال التي ما انبعثت تحت مسمى منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وما استوت على سوقها منذ عام 1975، إلا بعد تصفية مصادر الصراع والاصطكاك والتأزم الحدودي الجغرافي والأيديولوجي السياسي والمصلحي الاقتصادي التي سادت من قبل وأدت إلى اندلاع الحربين العالميتين الشهيرتين.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد