: آخر تحديث

تعليمنا.. بين توجه الشركات وطبيعة المؤسسات التربوية!

9
7
14

محمد بن عيسى الكنعان

من يتمعن في القرارات التي تتخذها وزارة التعليم بشأن العملية التعليمية، وبالذات مواعيد الإجازات والاختبارات الدراسية يتصور له أن الوزارة تتعامل مع أطراف هذه العملية التعليمية وشؤونها، وبرنامجها الزمني بعقلية الشركات، وليس حسب طبيعة المؤسسات التعليمية والتربوية.

فالشركات وفقًا لكياناتها وطبيعة أعمالها ليست معنية بمنزل الموظف، أو العلاقة مع أسرته، أو برنامج حياتهم اليومية، فالذي يهمها بالدرجة الأولى هو أن يعمل الموظف في إطار الدوائر الثلاثة: (الانضباطية، والإنتاجية، والربحية)، وفق سياسات وإجراءات يتبعها كل موظف بما يخص واجباته الوظيفية، وإجازاته على مدار العام، وأخيرًا تقييم أدائه السنوي. في المقابل نجد أن المؤسسات التعليمية والتربوية تهتم - أو يجب أن تهتم - بالأطراف الرئيسة للعملية التعليمية: (المعلم، والمنهج، والطالب)، من حيث تطويع التقويم الدراسي - بأيامه الدراسية واختباراته وإجازاته - لأجل أن يُحقق الهدف الاستراتيجي للعملية التعليمية، وهو حصول الطالب على القدر الكافي من التحصيل المعرفي والعلمي، من خلال أداء متقن من قبل المعلم في تطبيق المنهج الدراسي المعتمد.

وكوني أحد أولياء أمور الطلاب فتقديري أن الأسلوب الذي تتبعه وزارة التعليم - حاليًا - في تطبيقات العملية التعليمية، وبالذات ما يخص الإجازات والاختبارات أقرب ما يكون إلى عقلية أو منهجية إدارة الموظفين بالشركات؛ حيث التركيز بالدرجة الأولى على تحقيق (مبدأ الانضباطية) بالحضور والانصراف، وتحديد الإجازات، والاختبارات بما يتفق مع إنجاز الأداء التعليمي بغض النظر عن انعكاس ذلك سلبًا على مستوى الطالب، وأسرته وتفاصيل حياتها اليومية، وخططها وبرامجها الاجتماعية، بما يؤدي إلى حالة إرباك مستمرة للأسرة، وهذا ما عشناه فعليًا خلال هذا العام الدراسي الطويل، والمثقل بالإجازات المفيدة وغير المفيدة تحت مسميات تسويقية مثل إجازة الشتاء!! فما كدنا نخرج من معمعة الدراسة في رمضان، وإشكالية التوقف المتكرر للعملية التعليمية، سواءً بالإجازات المطولة أو الفصلية، إلا ونتفاجأ بمسألتين، الأولى قرار الوزارة على إجراء الاختبارات الدراسية النهائية بعد إجازة عيد الأضحى المبارك مباشرةً، وهذا ما يُجعل الأسر تفقد القيمة الاجتماعية والمتعة الدينية التي تجدها أيام هذا العيد، بل تجعلها في حالة استنفار مستمر، مع إلغاء كامل الارتباطات العائلية واللقاءات الاجتماعية، التي غالبًا ما تكون خلال هذه الأيام المباركة، رغم أن هناك جامعات عريقة وأخرى ناشئة أنهت عامها الدراسي خلال الأسبوعين الأخيرين من شهر مايو 2025م (ذي القعدة 1446هـ)، وربما عملت على الإعداد والتجهيز للفصل الصيفي، وبذلك استثمرت العام بشكل واقعي وفاعل.

المسألة الأخرى هي قرار وزارة التعليم (تفعيل اليوم الدراسي أثناء تطبيق الاختبارات)، بحجة أن أهمية اليوم الدراسي لا تقتصر على أداء الاختبارات فحسب، بل تتعداها إلى الحفاظ على انتظام التعلم، وبناء المهارات الأساسية، تقديم مراجعات هادفة، وأنشطة تفاعلية، وأن التفعيل ضرورة تربوية تسهم في تعزيز الانضباط المدرسي، والجدية لدى الطلاب، وغير ذلك.

حقيقةً؛ وبنظرة مثالية فهي مقاصد جميلة ولكنها ليست واقعية!! فإذا كان الطلاب والطالبات يعانون من التشتت وعدم الانتظام وقلة الانضباطية خلال أسابيع المراجعة التي تسبق الاختبارات النهائية فكيف الحال بأيام الاختبارات ذاتها، التي ينبغي للطلاب والطالبات فيها العودة إلى بيوتهم واستثمار الوقت للراحة والاستعداد للاختبار التالي (اللاحق)، ومن لم ينضبط خلال عام كامل بسبب كثرة التوقف بالإجازات المطولة! لن ينضبط خلال أيام محدودة نهاية العام.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد