عبده الأسمري
ما بين الاشتعال والانفعال أشعل قناديل «الدهشة» شعراً في فضاءات «الأدب» ووسط الامتثال والجمال أضاء مشاعل «الحداثة» نثراً في إمضاءات «الثقافة».
اعتلى «صهوة» التغيير رافعاً راية «الإنصاف» مختصراً «مسافة» الالتقاء بين وعي «الذات» وسعي «الثبات» راسماً «أضلاع» الشعر على زاويا قائمة من «الاعتراف».
شكل «كيمائية» من التجاذب ما بين الإبداع والكلمة متخذاً من الحرية «مزيجاً سحرياً» بنى به «صروح» التجديد راكضاً بين حدي الجرأة والهدوء ومتجهاً بحذر وسط مد «النقد» وجزر «المديح» هارباً من «الفلاشات» المنصوبة على «نواصي» المناسبات مكتفياً بأضواء «الكلمة» وأصداء «الكتابة».
إنه الشاعر والكاتب محمد العلي أحد رواد الحداثة وأبرز الكتاب والشعراء في السعودية والخليج.
بوجه «حساوي» التقاسيم بحكم «النشأة» واحتكام «التنشئة» وملامح شرقاوية تطغى عليها سمات «الإنصات» وصفات «التواد» وعينان تسطعان من خلف «عدسات طبية» لا تفارقه مسجوعة بنظرات «اللين» ولمحات «التآلف» وأناقة تعتمر «الأزياء الوطنية» المتكاملة على «محيا» عامر بالأناقة مع شخصية ودودة الجانب جميلة الوصال رشيقة القول أنيقة اللفظ راسخة الرأي شفافة الرؤية ومفردات تتماهي فيها «موجبات» الفصاحة وتتباهى وسطها «هبات» الحصافة وعبارات لغوية واعتبارات ندية تغترف من «بحور الشعر» كنوز النظم وتحصد من «أعماق الشعور» خزائن العلم قَدم على «أجنحة التنوير» ووقف على بوابات «الحداثة كرائد واعد وزع «أثير» النجومية في «فضاء» الأدب وزرع «عبير» الثقافة في «ضياء» المعرفة شاعراً وكاتباً وضع اسمه في «قوائم» المبدعين وترك صيته في «عوالم» المؤثرين.
في مدينة الأحساء أرض النخيل والمواويل الباذخة بزف «البارزين» إلى أعراس «المعارف» ولد عام 1932 وسط يوم «شتوي» مشفوع بتراتيل «المساء» ومسجوع بأهازيج «السخاء» وتناقل جيران «المكان» في قرية «العمران» العتيقة النبأ «المفرح» بوابلٍ من السرور وطلٍ من الفرح ارتسم على محيا والديه واكتمل في مرابع عشيرته.
نشأ العلي بين «والد حكيم» نثر في طريقة ورد «النصح» وأمٍ عطوفة ملأت قلبه بمخزون باكر من العاطفة والحنان فكبر وفي داخله «أناشيد» الصباح و»أنغام» البكور التي اعتمرت وجدانه وشكلت في ذاكرته «الغضة» نفائس «الطفولة».
تعتقت نفسه صغيراً بمواسم الحصاد في «حقول» قريته وتشربت روحه مراسم السداد في مجاميع عائلته وترسخت في بداياته «مشاهد» الطيبين وهم يقتنصون لحظات «الرزق» على عتبات «البكور» وتعمقت في طفولته «شواهد» الأولين وهم ينثرون ملاحم «التعاضد» أمام تساؤلات «الكادحين» فتشكلت في ذهنه «الصور الذهنية» الحافلة بنقاء السريرة وصفاء الجيرة.
ارتهن صغيراً إلى عناية ورعاية مبكرة من والده «الحساوي» الشهير بجود اليد ونبل التعامل حيث تعلم في «الكتاتيب» الحساوية العتيقة مبادئ القراءة والكتابة على يد «المعلمين المشهورين» أصحاب السير العريقة في التدريس والتأسيس وقد أتم حفظ القرآن الكريم وكان من «المتميزين» في انضباطه وتفوقه.
ونظراً لظروف الحياة والرزق والتنقل شد «العلي» الرحال من المنطقة الشرقية إلى العراق متأبطاً «حقيبة» قروية قديمة ملأها بذكريات «الدراسة» ومذكرات» الطفولة» وخبأ فيها «خربشات» أولى ومحاولات مثلى «للكتابة» التي تنوعت ما بين «بروفات التوقيع البريء» وأبيات الوقع الجريء» اللذين غمرا ساعات «الغربة» بيقين «التميز».
أكمل العلي دراسته بتفوق في المرحلتين المتوسطة والثانوية في «بلاد الرافدين» ثم التحق بكلية الفقه في جامعة بغداد وحصل منها على درجة البكالوريوس عام 1962م،
وبعد «اغتراب» مسجوع بفروقات ومفارقات ظل يكتب في «ثنايا» الوقت تلك القصص المحفوظة في صدور «الأمهات» واكتسب إرثاً معرفياً وأثراً ثقافياً وتراثاً ذاتياً عاد به كمغانم «سفر» الى أرض الوطن ليملأ مسقط رأسه بدواعي «اليقين» ومساعي «الحنين».
شق العلي طريقه في دروب الحياة العملية حيث عمل مدرساً في ثانوية الدمام عام 1965م لمدة ثلاث سنوات، ثم انتقل للعمل في إدارة التعليم واستمر في ميدان التربية والتعليم مدة تسعة عشر عاماً وعمل رئيساً لتحرير جريدة اليوم لمدة عامين، وعين مشرفاً تربوياً في الهيئة الملكية بالجبيل عام 1986م، واستمر في هذا العمل حتى عام 1993م (1414هـ).
كتب على مدار عقود مقالاته في عدة صحف ومجلات متنقلاً ما بين أعمدة «الرأي» وزوايا «الصفحات» حيث نشر كتاباته في زاوية «وقوفاً بها» الثقافية في مجلة اليمامة وزاوية «كلمات مائية» في صحيفة اليوم. وصدرت له العديد من المؤلفات من أبرزها ديوان «لا ماء في الماء» الصادر عن نادي المنطقة الشرقية الأدبي عام 2009م. وكتاب «حلقات أولمبيّة: مقالات في قضايا التنوير والحداثة» الذي أصدره نادي تبوك الأدبي بالتعاون مع دار مدارك عام 2013م.
وكتاب «كلمات مائية» الذي أعده وجمعه: محمد عبد الوهاب الشقاق وحمزة حسين الحمود، وصدر عن مؤسسة الانتشار العربي عام 2008م وتضمن مقالاته الصحفية.
وكتاب «هموم الضوء» الذي صدر عن دار طوى عام 2011م وتضمن مجموعة من مقالاته التي نشرها بين عامي 1978م و2000م في جريدة اليوم، حيث جمعها وأعدها للنشر أحمد العلي. وكتاب «درس البحر» الصادر عن دار طوى عام 2012م.
وأصدر له نادي الرياض الثقافي بالتعاون مع المركز الثقافي العربي عام 2013م كتاب «نمو المفاهيم: تساؤلات وآراء في الوجود والقيم» والذي اشتمل على عدّة أوراق نقدية ومحاضرات فكريّة كتبها العلي خلال مسيرته الثقافية على مدار 40 عاماً. وأصدر العلي كتاب «البئر المستحيلة: محاولات لتجاوز السائد في الثقافة والمجتمع» عن نادي الرياض الأدبي بالتعاون مع المركز الثقافي العربي عام 2013م. وتضمن الكتاب مقالات فكريّة كتبها المؤلف خلال مسيرته الأدبية في بعض الصحف المحليّة والعربية.
وإصدار «لا أحد في البيت» من إعداد وتحرير أحمد العلي صدر عن دار مسعى للنشر والتوزيع عام 2015م.
ألقى العلي الكثير من المحاضرات وشارك في عدة ندوات ومناسبات ثقافية سجل فيها بصمته «الأدبية» في عوالم «الشعر» وصبغته «الحداثية» في معالم المعرفة.
تم تكريمه في عدة محافل حيث احتفت به المنصات الوطنية والجوائز والمهرجات حيث كُرم عام 2015م بإطلاق اسمه على الدورة الأولى من مهرجان الشعر الذي أطلقه (بيت الشعر) التابع لجمعية الثقافة والفنون بالدمام. وصدر بمناسبة تكريمه كتاب بعنوان «تلك الزرقة التي علمتنا الأناشيد» تضمن شهادات قدمها أدباء وشعراء ومتخصصون ونقاد تحدثوا عن شعره وتجربته ومدى تأثيرها في الواقع الأدبي.
حصل العلي على جائزة الأمير عبد الله الفيصل العالمية في موسمها الرابع عام 2022 في فرع «التجربة الشعرية» عن كامل أعماله الشعرية وجاء تتويجه احتفاءً بما قدمه من تميز طوال حياته التي تضمنت العديد من المحطات المميزة.
محمد العلي.. شاعر الحداثة وكاتب الدهشة الذي رسخ اسمه في عناوين «العلا» ومضامين «التقدير» وميادين «التعبير».