: آخر تحديث

هل حالة الفراغ مخيفة ؟!

3
2
2

هيفاء صفوق

- عند ترك التعلق وفك القيود من أي شيء كمقتنيات أو معتقدات أو علاقات يشعر الفرد بحالة الحرية ولكنه فيما بعد سيشعر بحالة من الفراغ، وكأن شيئا في داخله ناقص أو لا مبالاة أو يفقد الشغف بعض الشيء، تعتبر هذه الحالة أن الفرد قد تعود على نمط فكري واعتقادي واجتماعي معين، نمط من الأفكار والمعتقدات والقناعات والعلاقات، ترك هذه الأنماط يشعره بحالة من الفراغ بأنه لم يعد له دور، لم يعد له سيطرة وتحكم، لم يعد له سلطة وقيد مع شيء، أو إصدار أحكام على ظرف أو شخص، كل ذلك يخفه وقد يصاحبها بعض المشاعر السلبية كالحزن او التشتت أو الضياع وهي حالة طبيعية بعدما اعتاد على نمط معين.

- فك التعلق لا يأتي فجائيا، بل هو حصيلة طويلة من الوعي الإنساني وحصيلة كبيرة من التجربة التي يختبرها الفرد حتى يرتقي يوما بعد يوم في سلم ودرجات النضج والمعرفة والحكمة، نعم، أحيانا تأتي قهرية بعد الازمات والصدمات فيترك الفرد كل شيء نتيجة لردة فعله بعد هذه الصدمات فتعمل له نقلة في وعيه الإنساني مما يجعله يصاب بالفراغ الداخلي، قد يكون فراغ إيجابي يغير مسار حياته للأفضل بعد ترك ما لا يعنيه وقد يستسلم للألاعيب النفس وضعفها فتضيع البوصلة من بين يديه.

- حالة الفراغ تشعر الفرد بانتهاء شيء ما، لم يعد يتكئ على شيء، وهنا قد يسأل الفرد عدة أسئلة: هل انتهى الشغف، هل انتهى الطموح؟ هل أصبحت وحيدا؟ وكل تلك الأسئلة تضيء في سمائه عدة إضاءات يتعرف عليها يوما بعد يوم حتى تستكن تلك النفس ويخف ذلك الجزع والخوف، قد تطول هذه الفترة وقد تقصر، وهذا يعود للفرد وطريقة تفكيره وتحليله لكل شيء، قد تعتريه هذه الاختبارات الداخلية وهذه المشاعر الغريبة التي قد يطلق عليها بعضنا غربة النفس، رغم مفهوم غربة النفس أيضا يختلف حسب الرؤية لها ومن أي زاوية، هناك غربة النفس تأتي ليبحث الفرد عن معنى وجوده في الحياة بشكل أعمق وغالبا لا تأتي اختياريه بل قهرية بعد ظروف قاسية، وهناك غربة النفس تأتي بعد ترك كل تلك التعلقات والقيود كحالة طبيعية يمر فيها لتغير نمطا من الأنماط.

- الجيد عندما يدرك الفرد أسباب غربة النفس بأنها حالة طبيعية يمر بها بعد ترك الاحمال الثقيلة عن ظهره ستشرق بوادر الهدوء والسكينة التي تجعله ينظر الى حالته بتمعن أكثر وان هناك شيئا في داخله قد تغير؛ أي هناك تموجات كثيرة تشبه موج البحر يتغير معه أيضا، أفكاره، قناعاته، حياته، طريقة عيشه، علاقاته، كل شيء سيكون مثل موج البحر حتى يهدأ ويعود لتلك الحالة من السكون والطمأنينة. هنا بالذات تبدأ حرية الفرد الحقيقية ان لا تعلق إلا بالله الكريم الغني، وهناك اختلاف بين المحبة التي يختزنها الفرد لأحبته، او الرغبة والطموح والشغف والانجاز والنجاح الذي يسعى له دون تعلق وبين التعلق الذي يعيق حياته ويقيدها سواء كان تعلقا ماديا أو فكريا.

- تغيير الأنماط في حياة الفرد يربكه في البدايات لكن إذا كان هذا التغيير على أسس قوية وثابتة وقد اختبرها حقيقة وليس فقط تلقاها كمعرفة نظرية وأخذها جاهزة، بل اختبر معانيها واختبر تقلباتها حتما سيصل لبر الأمان وتهدأ هذه النفس وتستكن لتدرك بعدا آخر في الحياة مختلف تماماً عن البعد القديم.

- حرية الفرد تبدأ بالسماح لكل شيء أن يظهر وتتضح معالمه شيئاً فشياً، مشاعر، أفكار، قناعة، تجربة، حتى يحرر نفسه من كل معيق وتعلق وقيد، ويدرك رحابة هذه الحياة أنها واسعة جدا وان المعرفة تتجلى في حياته شيئا فشيئا فيخف الجزع والخوف وتهدئ النفس لتصبح حرة كما يقدر لها الله عزا وجل، فيسمح لحالة الفراغ أن تتواجد دون مقاومة لأنها ستمتلئ فيما بعد بما هو مفيد وغني بالمعرفة وسيطلق بصيرته للتأمل الوجود والبعد الإنساني، وسيطلق قلبه ليتعرف على معاني الحياة لكن هذه المرة دون تعلق ودون خوف أو جزع وسيكمل المسيرة ليتعلم أكثر وأكثر.

إضاءة:

هناك فرق بين حالة الفراغ الداخلي العبثي اليائس، وحالة الفراغ الداخلي بعد ترك التعلقات وفك وهم السيطرة والتحكم الذي سيمتلئ فيما بعد بما هو مفيد وغني.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد