محمد ناصر العطوان
في زحمة المشاريع الشبابية التي تتنافس على جذب الأضواء، تظلُّ التجارب الحقيقية هي تلك التي تترك أثراً لا يُختزل في أرقام التقارير، بل في تحوُّلات تلامس أعماق الأفراد والمجتمعات. من هنا، كانت رحلتي في «مختبر الشباب» محطة لاستكشاف كيف تُبنى البرامج التي لا تُهدر طاقات الشباب، بل تُحولها إلى جسور للمستقبل. إليكم بعض الاستخلاصات التي أودُّ مشاركتها مع كل من يعمل في هذا الحقل الحيوي:
المُموِّل ليس هو المُخترع!
«البرامج الشبابية التي لا تؤتي أُكلها، وتُمنى عادة بالفشل، هي تلك التي تُصمم بناء على احتياج المُمول وليس المستفيد».
هذه العبارة تختصر مأساة تتكرر، برامج تُولد ميتة لأنها تستجيب لرغبات الجهة الداعمة، لا لاحتياجات الشباب الحقيقية. في «المختبر»، تعلَّمنا أن ننزل إلى الميدان قبل كتابة أي خطة، نستمع بلا حواجز، نقرأ بين سطور أحلامهم وإحباطاتهم. الشباب ليسوا «مشروعاً» نُنجزه، بل شركاء في تشكيله.
المدرسة لا تكفي... ابحثوا عن «الورشة الخلفية».
«إن ما يهيئ الشباب لسوق العمل ليس المدرسة ولا الجامعة، بل الدورات التدريبية التخصصية والبرامج الشبابية التي يحصلون عليها بعد التخرج».
هنا تكمن المفارقة: المؤسسات التعليمية التقليدية تُخرّج شباباً يحملون شهادات كالتي كنا نحملها، لكنهم يواجهون عالماً تغيَّر جذرياً. في «المختبر»، حوَّلنا التركيز إلى «التعليم الموازي»: ورش عملية، تدريب على مهارات ناعمة كالتفكير النقدي وإدارة الأزمات، وشراكات مع قطاعات العمل الحقيقية. الشباب يحتاجون إلى من يُعلّمهم كيف يصطادون، لا أن يُلقموهم السمك.
الفشل ليس نهاية الرحلة... إنه محطة
«فرص الحياة والأعمال مثل الحافلات العامة، إذا فاتتك إحداها فدائماً ستأتي أخرى».
كم من شابٍّ انسحب بعد أول تجربة فاشلة؟ في «المختبر»، كنا نردد هذه العبارة كأنها نشيد. علمناهم أن يُعيدوا تعريف الفشل: ليس عاراً، بل دليلاً على أنهم يجربون، الأهم من عدم السقوط هو كيف تنهض، وكيف تُحوِّل الخسارة إلى خريطة للمسار التالي.
التطوع... حيث يُولد المعنى
«يكمن السر في العمل التطوعي في كونه أحد الاتجاهات الرئيسية التي تعطي معنى لحياة من اختاروها في زمن يتسم بخواء المعنى والهدف».
في زمن يلهث فيه الشباب وراء الماديات، كان التطوع هو البوابة التي أعادت لهم إحساساً بالانتماء. لكننا أضفنا له بُعداً أعمق: «واجبك وأنت تقدم خدمتك التطوعية هو أن تشعر في داخلك بكل الأسلاف، أن تضيء انطلاقتهم، وأن تنقل إلى ابنك الواجب الأكبر: أن يتجاوزك». التطوع هنا ليس عملاً موقتاً، بل استمرارية لجيل يبني على ما تركه السابقون.
التعليم التقليدي... عدُوٌّ للغد!
«إذا علمنا طلاب اليوم كما تعلمنا بالأمس، فإننا نسلبهم الغد».
هذه الجملة كانت شعارنا في مراجعة المناهج. كيف نُعلّم الشباب استخدام أدوات الماضي لمواجهة تحديات المستقبل؟ الإجابة كانت في كسر الحواجز بين التخصصات، دمج التكنولوجيا بالإنسانيات، وتشجيع الابتكار حتى لو تعارض مع «المنهج المعتمد أو المدرب المعتمد». الشباب ليسوا أوعية نملؤها، بل شركاء في العملية.
ما لا تقيسه... لا تستطيع تطويره
«في البرامج الشبابية، كما في الذكاء الاصطناعي، إذا لم تستطع قياسه، فإنه لا يمكنك تطويره».
النجاح الحقيقي لا يُقاس بعدد المشاركين، بل بتأثير البرنامج على مساراتهم. طوّرنا مؤشراتٍ نوعية: كم مشروعاً ناشئاً ولد من التدريبات؟ كم شاباً وجدَ طريقاً للتطوع المستدام؟ كم منهم أصبح مُعلما لأقرانه؟ القياس ليس لتبرير التمويل، بل لفهم كيف نتحرك للأمام.
أما أهم ما تعلمناه في «مختبر الشباب» فهو أن كل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.