: آخر تحديث

تظاهرات غزة

6
6
5

محمد الرميحي

السياسة ليست بالنوايا، هي بالنتائج، وفتح الصراع المباشر بين حماس وإسرائيل بالطريقة التي تمت أنتج نتائج كارثية بالمعنى الحقيقي الذي يحمله تعبير «الكارثة».

بشاعة الحرب تمثلت في أكثر من خمسين ألف قتيل بين امرأة وطفل وشيخ، ولا يزال العد قائماً، وأكثر من مئة ألف مصاب وجريح، وجوع يراه الناس على شاشاتهم كل مساء للحصول على شيء مما هو متاح من الزاد والنوم في العراء، وخوف من القتل في أية لحظة. إنه وضع إنساني مزرٍ ربما لم تشهد شعوب مثله، بجانب تهديد لزعزعة الأمن في الجوار.

نعم، هناك تعاطف إنساني لدى شرائح كثيرة في المجتمعات غير العربية، لكن ذلك التعاطف لا يصرف سياسياً، لأن السُلَط المختلفة في تلك المجتمعات لها حسابات أخرى، ولأن الدول الكبرى لها علاقات وثيقة وثابتة مع إسرائيل، فكل الصراخ يذهب عبثاً والقادم أكثر بشاعة ووحشية. لذا لا بد من المصارحة حتى وإن كان طعمها مراً.

الحرب فيها مهزوم وفيها منتصر، وبصريح العبارة حماس جربت الحرب فهزمت. هزمت لأن قيادتها تأبى أن تتعامل مع الواقع وتغلّب الأيديولوجيا على السياسة، وتفترض افتراضات وتصدقها وهي قريبة إلى الأوهام، والحرب خيارات، وقد تكون الخيارات عمياء.

معظم من اختطفتهم حماس إما بريطاني إسرائيلي، أو أمريكي إسرائيلي، أو ألماني إسرائيلي، أو روسي إسرائيلي، فلا الدولة الأمريكية في وارد الوقوف مع حماس، ولا الدولة الروسية وبقية دول أوروبا شفهياً تقف مع (القضية) دون تأثير حقيقي على مجرى الأمور.

العرب متعاطفون، لكن أيضاً دون تأثير كبير في مجرى الأحداث. ومع الجهود الدبلوماسية التي تبذل من عواصم عربية، نجد الجحود إلى حد يفوق اللوم ويصل إلى الفجور من بعض القيادات، والطلب من العرب ما هم غير قادرين على تقديمه؛ وهو صد آلة الحرب الشرسة. وتكرر صيحات الإنقاذ التي هي غالباً لها صدى سابق، كمثل استخدام سلاح النفط، دون وعي بأن هذا السلاح لم يعد مؤثراً، فقد جرت مياه كثيرة من عام 1973 في الاقتصاد الأمريكي، الذي لم يعد بحاجة لنفط الشرق!

الخيارات استمرت خاطئة، وهذه هي الشواهد تأتي الآن من داخل غزة من خلال جماعات ضاقت ذرعاً بما يتم من ممارسات سياسية حماسية، ومن قادة يتنقل كثير منهم في عواصم مختلفة مصرّين على العناد، ربما حتى آخر طفل وامرأة وشيخ بقي في غزة.

نعم، هناك ماكينة قتل إسرائيلية، وهناك فجور في آله الحرب وقتل عشوائي، لكن كل ذلك يتم أمام العالم، والدول القادرة إما موافقة أو صارفه النظر، لأن هناك سردية أخرى اسمها (المختطفون)، وبينهم أطفال ونساء وكبار في السن يحصلون سريعاً على تعاطف بل استنكار لحجزهم، من جهة أخرى يسمع العالم من حماس أن استمرار الحرب قد يحمل قتلهم، في تهديد لا يسمع في الفضاء السياسي الإسرائيلي وربما يفسر على أنه نية مبيتة دون التفكير في الاحتمال الآخر أن حياة المختطفين لا تعني شيئاً كثيراً للحكم في إسرائيل، بل هي ذريعة لاستمرار الحرب واستمرار المجزرة، وربما قتل القضية برمتها.

بعض الأصوات الشجاعة لدى الفلسطينيين بدأت تظهر، تناقض سردية حماس، وقد كانت منذ فترة موجودة، لكن مقموعة. اليوم تظهر سردية المعارضة لسياسة حماس وتصرفها في غزة، ومن داخل النسيج الغزاوي، وإن كان البعض كالعادة يفسر ذلك الصوت بأنه مدفوع من تلك الجهة أو الأخرى، فهو تفسير قريب إلى نظرية المؤامرة، فهؤلاء لا يشعرون بالوجع العميق الذي يشعر به الغزاوي البسيط، القائل إن حماس قررت أن تضحي بكل نفس في غزة من أجل مشروعها غير الواقعي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد