أما في العربية، فإن كلمة يانصيب مشتقة من نصيب، أو الحظ، ومفهومها قديم، حيث استُخدمت أشكال اليانصيب الأولى لاتخاذ القرارات وتوزيع الممتلكات بالصدفة، ويعود تاريخها إلى العصر الروماني وحتى قبله، كما استخدمت قديماً وحديثاً لتمويل المشاريع الحكومية ذات الطبيعة الاجتماعية، كاستخدام الريع منها لبناء المستشفيات وتوفير الأدوية، أو بناء وتمويل مشاريع وطنية ضخمة.
* * *
انتشرت على وسائل التواصل انتقادات وتعليقات غريبة وعجيبة، وبعضها مضحك، تعلقت بما أثير أخيراً من لغط شديد حول جوائز مهرجان هلا فبراير، وجوائز سحوبات البنوك، وهذه يحظر حالياً الحديث فيها.
بداية، توزيع جوائز يانصيب وغيرها ليس بالأمر الجديد على الكويت، فقد عرفنا اليانصيب في طفولتنا، عندما كانت شركات المرطبات تعطي جوائز لطيفة ومفيدة لكل من يجد صورة هدية ما مطبوعة داخل غطاء قنينة الشراب، بعد شرائها وفتحها. كما قامت شركة تجارية أخرى لفترة بتوزيع جوائز على الطوابع، التي يتم جمعها مقابل مشترياتهم من محال معينة. وحتى «الكويتية» المملوكة للحكومة، في سعيها للتشجيع على السفر على طائراتها، تقوم بمنح المسافرين معها نقاط أميال، عن كل رحلة يقومون بها، يمكنهم، بجمع قدر منها، الحصول على تذاكر سفر مجانية.
ما قامت به مؤسسات مالية أو تجارية، أو حتى حكومية، بتوزيع جواز، بالقرعة، على من يشاركون فيها، بغرض الترويج لزيارة دولة ما، أو لزيادة مبيعات جهة ما، أو سلعة، هي منتشرة في كل الدول. وأعلى جائزة يانصيب في التاريخ كانت جائزة «باور بول Powerball» الكبرى، وكانت بقيمة 2.04 مليار دولار، فاز بها إدوين كاسترو في 7 نوفمبر 2022.
يتساءل البعض عن سبب تفرّد بعض بنوك الكويت بجوائزها السخية، ولماذا لا يوجد ما يماثلها بين بقية بنوك العالم؟ وهذا طبعاً غير دقيق.
منذ بداية الطفرة النفطية والكويت تتميز بارتفاع مستوى معيشة الفرد فيها، وصاحب ذلك رغبة كبيرة من البعض في الادخار، مقابل ميل البعض الآخر، لرفض مبدأ تلقي الفوائد المسماة بالربوية على أموالهم في المصارف، من منطلقات دينية، فتوفرت أرصدة «مجانية» كبيرة لدى المصارف سهلت لها، على مدى أكثر من سبعين عاماً، تحقيق عوائد عالية لمساهميها، وشجعت هذه السيولة النقدية (أو نقصها) أحد المصارف على إقناع الجهات الرقابية المعنية بالسماح لها بتوزيع جوائز نقدية عالية، شهرياً، على أرصدة العملاء لديها، التي لا يتلقون مقابلها أية فوائد. وحذت بنوك أخرى حذوها تالياً، وأصبح هناك ما يشبه المعركة بينها في تنافسها على من يحظى بأكبر قدر من هذه الأموال «المجانية»، ووصل مبلغ إحدى تلك الجوائز إلى مليوني دينار. كما أصبحت بعض البنوك تعلن عن سحب جوائز لكل من يقوم بتحويل راتبه الشهري لها.
ما حدث كان، غالباً، وفق حسابات مصرفية دقيقة، فما يمكن للبنك تحقيقه من عوائد نتيجة استثمار تلك الأموال الضخمة، التي لا فوائد عليها، تمكنه وتعوضه عن منح جوائز سنوية ضخمة، من دون أعباء حقيقية.
أحمد الصراف