موسى بهبهاني
ذكر المولى عز وجل فى كتابه هذه الآية في سورة النازعات
بسم الله الرحمن الرحيم
{ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ } (24)
تشير هذه الآية إلى قصة النبي موسى (عليه السلام) وفرعون، ملك مصر المستبد، الذي طغى وادعى لنفسه الربوبية، وقال للناس (أنا ربُّكم الأعلى).
الفرعون، الذي رفض قبول دعوته إلى التوحيد واتهم النبي موسى بالسحر! ووصل به الغرور والطغيان إلى فرض «عبادته» على الناس، والوقوف على رؤوسهم ليبين لهم أنه هو صاحب أمرهم، وأن مقدراتهم بيده، وأنه من يحيي ويميت.
وعندما أمر المولى عز وجل (موسى) بأن يخرج مع قومه من مصر تبعهم فرعون وجنوده، فلما وصل (موسى) إلى البحر ضربه بالعصا فانشق الماء ليعبر هو وقومه، وعند وصول فرعون وجنوده خلفهم إلى وسط البحر رجع البحر إلى حاله الأول فأغرقهم الماء بمعجزة من المولى عز وجل.
وجعل المولى عز وجل فرعون آية للعالمين خلّد جسده ليكون عِبرة للآخرين.
والطغيان عبر العصور هو ظاهرة متكررة، وكأن التاريخ يعيد نفسه بأشكال مختلفة. الفراعنة والطواغيت يمثلون رموزاً للاستبداد والقهر، حيث استغلوا قوتهم لإخضاع الشعوب وفرض إرادتهم.
الجريمة الكبرى:
ما يحدث في غزة من مأساة إنسانية وسفك الدماء والإبادة للمدنيين، تتطلب وقفة جادة من المجتمع الدولي، ولكن يبدو أن المجتمع الدولي لا يعير اهتماماً لأبسط المعايير الإنسانية رغم التحذيرات الدولية بما يواجهه أهالي غزة من مجاعة ماحقة، وكوارث لم يشهد لها التاريخ والتي تهدد ملايين الأبرياء في غزة، في ظل ازدواجية المعايير الدولية التي تلعب دوراً في تأخير الحلول الفعالة.
وما يفجع القلب مرارةً وألماً أن العالم اليوم أصبح رهينة بأيدي بعض (الفراعنة) وما يتخذونه من قرارات أحادية غروراً واستكباراً وفساداً في الأرض، متمثلين بقول (أنا ربكم الأعلى) دون رادع أو وازع أو ضمير أو إنسانية ويتبجحون بما يصنعون.
«قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا».
وبهذا فهم يهددون السلام والأمن والاستقرار العالمي الذي يزيد من تعقيد الوضع الكارثي، ونتساءل:
هل هناك أملٌ في تغيير هذا الواقع؟
للأسف الشديد هناك حالة من العناد والأنا نتيجة الغرور والفوقية التي تسيطر على عقلية هؤلاء الفراعنة، فهم يتلذذون في إخضاع العالم تحت سيطرتهم وهيمنتهم.
نشاهد وجوهاً جديدة من الطغيان، حيث يستخدم بعض الزعماء القوة والتهديدات لترويع شعوب العالم، ما يهدد السلم الأهلي والعالمي بشكل غير مسبوق.
والتاريخ يعلمنا أن الظلم لا يدوم، وأن الشعوب دائماً تجد طرقاً للمقاومة واستعادة حقوقها.
والحديث عن الظلم والجور ليس وليد الساعة، بل يتكرر عبر العصور فمن طبيعة الإنسان غير السوي الذي ينتابه الجشع والغرور حيث تتكرر هذه الحالة بأشكال مختلفة في كل زمان ومكان.
فالأديان السماوية تؤكد على أهمية مقاومة الظلم وتعزيز العدل.
في عصرنا الحالي، نجد أن الظلم قد ظهر بوجوه جديدة سياسية، اقتصادية، عسكرية، ونرى أشد أنواع الظلم والجور والاستبداد بسفك دماء الأبرياء في غزة المحاصرة، أمام مرأى ومسمع من دول العالم، ولا أحد يتمكن من إيقاف هذه المذابح العلنية، فهؤلاء الصهاينة تمادوا في غيهم بسبب مساندتهم من حلفائهم من الدول العظمي!
فهؤلاء جميعهم مشاركون في الإبادة والمذابح والقمع الذي تمارسه دولة الاحتلال الصهيوني.
وبالرغم من ذلك لا نجد تحركاً فاعلاً من دول العالم لإيقاف تلك المذابح العلنية في حق الأبرياء في غزة.
واليوم يواجه العالم صورة مشابهة لفرعون، حيث نجد أن من أصيب بداء الأنا والغرور يرى قراراته صائبة!
ويتخذ من الجشع وسيلة لابتزاز دول العالم!
فالعالم مستاء من هذه القرارات الغريبة والعجيبة.
لكل داء دواء يستطبُّ به
إلّا الحماقة أعيت مَن يداويها
ختاماً،
المنطقة التي طغى فيها فرعون، أقام العدالة فيها النبي موسى، هلك من ادعى الألوهية وعذب الناس، وجاء من أرسله الله رحمة للناس.
كل فرعون ظن بأنه (ربٌّ للناس)، ستدور عليه الدوائر بإذن الله، والنهاية ستكون بمواجهته مع الواحد الأحد، الذي لا يظلم، لكنه يرد كيد الظالمين في نحورهم، إن لم يكن في الدنيا، فإن لهم في الآخرة عذاباً شديداً.
لا شك ولا ريب أن البشرية تتحمل جزءاً من المسؤولية في بروز وظهور (الفراعنة) عبر التاريخ من خلال الصمت والتهاون.
هذه الظواهر تعيدنا إلى دروس عظيمة من الماضي حيث نرى أن التخاذل أو غياب الوحدة بين الشعوب كانا دائماً عوامل في تمكين الطغاة والفراعنة من استضعاف الشعوب.
قال الامام علي (ع):
( لا تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَقَدْ خَلَقَك اللَّهُ حُرّاً)
«وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ»
اللهم انصر الإسلام والمسلمين واخذل الكفار واليهود والظالمين.
اللهم أرنا في اليهود وأحلافهم وأعوانهم نكالاً يا رب العالمين.
اللهم احفظ الكويت آمنة مطمئنة، والحمد لله رب العالمين.