: آخر تحديث

الغائب الحاضر

5
5
4

سهوب بغدادي

من منا لا يسرح بخياله وفي خيالاته ويرسم أحلامًا بلونه المفضَّل خلال اليوم؟ إنّ حالة شرود الذهن أو ما يُسمى «السرحان» قد تعتبر سلبية لدى البعض، كالمعلم الذي يشتكي من شرود ذهن طالبه خلال الشرح في الحصة، والأمثلة على هذا الأمر كثيرة وتُستقى من المواقف الحياتية، فيُقال للشخص جملة «بالك مو معي» عند انقطاعه عن العالم الواقعي واللحظة الآنية، ليسافر بخياله إلى المستقبل أو يرجع إلى الماضي والاحتمالات الواردة لا تُعد ولا تُحصى، فحدودك تكمن في تفكيرك، أي أنَّ حدودك أنت، مع الأخذ بعين الاعتبار أنَّ شرود الذهن قد يستلزم تدخلاً طبيًا في بعض الحالات، كأن يكون آلية مواجهة «الأدوات والإستراتيجيات التي تُساعد الأفراد على التعامل مع التوتر والاضطرابات العاطفية التي تأتي مع الخسارة» -حمانا الله وإياكم- أو كأحد أعراض الاضطرابات النفسية، لذا يتحتم على الشخص أن يزن نتاج أفكاره، فلا ضرر ولا ضرار، من ناحية مغايرة، أرى أن السرحان أمر جميل، باعتبار أن أغلب مقالاتي تنتج عن حالات «سرحاني» في كل زمان ومكان دون سابق إنذار، مع العلم أنَّ ما يبدو شرودًا ذهنيًا قد يكون تفكيرًا عميقًا وجديًا، أو تخطيطًا إستراتيجيًا، أو سيناريو مفصلياً أو تحضيرياً، أو مجرد تفكر في بديع خلق الله جلَّ جلاله، فيما يظهر الإنسان خارجيًا بقالب ساكن إلا أن داخله يكون عكس ذلك، وتكمن المفارقة في غياب ذهن الشخص وحضوره في آن واحد! إذ يغيب ذهنه عن العالم الواقعي وهو بين الناس، ويحضر في عالمه الخاص مع أشخاص آخرين! أليس ذلك بديعاً؟ كنت وما زلت أسرح في أفلاك مخيلتي وسأستمر في الخوض فيها بلا هوادة، شرودًا وهروبًا وأكثر ...

«شارد الذهن يسجِّل حضورًا كاملاً في مكانٍ آخر».


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد