: آخر تحديث

المحتوى المسؤول واجب حضاري ووطني

4
4
3

أحمد محمد الشحي

في ظل الانفتاح الواسع للفضاء الإلكتروني ووفرة وسائل الإعلام وأدوات النشر التقليدية والحديثة، يجد الكثيرون أنفسهم أمام إغراء كبير لمشاركة محتويات شتى مع الآخرين، بدءاً من منشورات وسائل التواصل الاجتماعي، بما فيها من تدوينات ومقاطع فيديو وبودكاست وغير ذلك، مروراً بالمطبوعات والمرئيات والمسموعات، في عصر يموج فيه العالم بتدفق المحتوى بشتى أنواعه.

إن هذا الحراك الاجتماعي والثقافي والتقني يضع الجميع أمام مسؤولية كبيرة، تتمثل في ترشيد هذا المحتوى وتوجيه هذا التدفق نحو المسارات الإيجابية التي تحقق النفع للجميع، ليؤتي هذا الحراك ثماره الإيجابية بما يعود على الأفراد والأسر والمجتمعات والأوطان بالنفع والخير، وهي مسؤولية يتشارك فيها منتجو المحتوى والمستهلكون على حد سواء، إذْ لا تقتصر المسؤولية على المنتج والصانع فقط.

بل تشمل كذلك المتلقي والمستهلك، من خلال تفاعله مع المحتوى بالإعجاب والتعليق وإعادة النشر، كما أن تأثير المحتوى لا يقتصر على دائرة المتابعين المباشرين، بل يمتد ليشمل المجتمع بأسره، من خلال تداول هذه المقاطع، ما يضاعف من تأثيره في المجتمع.

ومن أبرز التحديات التي تواجه هذا الترشيد المأمول السعي الدائم من كثير من صناع المحتوى في العصر الرقمي لزيادة عدد المتابعين وتحقيق الشهرة السريعة والربح الوفير، ما قد يدفع البعض إلى نشر محتوى غير مسؤول ما دام أنه يحقق له هذه الأهداف، سواء كان المحتوى .

مثيراً للجدل أو يتضمن معلومات غير مؤكدة وصولاً للشائعات والتحريض والفتاوى المضللة وغيرها، خصوصاً مع اعتماد منصات التواصل الاجتماعي على خوارزميات تعطي الأولوية للمحتوى الذي يحقق تفاعلاً أكبر، ما يؤدي إلى سرعة انتشار المحتوى الذي لقي تفاعلاً كبيراً بغض النظر عن سلامة مضمونه وصحة محتواه.

وهذه السرعة الكبيرة في الانتشار تفرض على صانع المحتوى أن يكون أكثر حذراً، فإن ما ينشره اليوم قد لا يستطيع التراجع عنه غداً، خصوصاً في هذا العالم الرقمي المتسارع.

ومن أجل مواجهة هذه التحديات يحتاج الإنسان أولاً إلى تهذيب نفسه، والتحلي بالقيم الحضارية الراقية، التي تجعله يدرك أهمية الكلمة وتأثيرها، وأن يعي أن النجاح الحقيقي لا يأتي فقط من عدد المتابعين أو التفاعلات السريعة المؤقتة، بل من القيمة الهادفة التي يقدمها للمجتمع.

وتترك فيه أثراً إيجابياً مستداماً، ومن خلال السمعة الطيبة التي يبنيها، والتي تظهر في محتواه عبر الأمانة والدقة العلمية والموضوعية والحكمة والتعقل، ومن أهم ما يحتاج إليه التفكير المسبق قبل النشر، والعناية بجودة الإعداد والصياغة، وحسن الاختيار للمواضيع والقضايا، والتقيد بالمعايير القانونية والأخلاقية، ليكون صانعاً محترفاً مسؤولاً للمحتوى.

وأما على مستوى المستهلكين وهم جمهور المتلقي لهذا المحتوى فيتطلب الأمر تعزيز الثقافة الواعية لديهم، وهنا يبرز دور الأسرة كموجه أساسي في هذا المجال.

بالإضافة إلى دور مشترك تكاملي لمختلف المؤسسات، لبناء جيل واعٍ يمتلك مهارات التفكير النقدي، ويعمل على توجيه طاقاته نحو إنتاج واستهلاك محتوى مميزاً يعكس القيم الإيجابية ويسهم في تنمية المجتمع.

وأما على مستوى الشركات التقنية فإن هناك حاجة ماسة إلى تطوير آليات أكثر فعالية من قبل منصات التواصل الاجتماعي نفسها، بحيث لا تعتمد فقط على التفاعل كمقياس لترويج المحتوى، وهو ما يتطلب تطوير خوارزميات أكثر ذكاءً تأخذ بعين الاعتبار جودة المحتوى ومصداقيته، وليس فقط حجم التفاعل الذي يحققه.

وقد حرصت دولة الإمارات على تعزيز المحتوى المسؤول عبر مسارات عدة، منها سن القوانين والتشريعات التي تجرّم المحتويات الضارة التي تحرض على الكراهية والتطرف وتنتهك حقوق الآخرين وتقوض استقرار المجتمع وسلامته.

وكذلك من خلال استضافة القمم العالمية المتخصصة في تشكيل اقتصاد صناعة المحتوى، مثل قمة المليار متابع، لتكون هذه المنصات أدوات خير وازدهار للمجتمعات، وتكون صناعة المحتوى صناعة للسلام والمعرفة والرخاء.

وفي ذلك يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله: «صناعة المحتوى هي صناعة للوعي والثقافة وداعم أساسي لمسيرة التنمية البشرية».

إن صناعة المحتوى الإيجابي المثمر مسؤولية مشتركة، يتقاسمها المنتجون والمستهلكون، لبناء مجتمعات أكثر وعياً وتحضراً، تقوم على المعرفة المستنيرة والقيم الهادفة النبيلة، وتجعل من المحتوى قوة دافعة نحو الارتقاء بالفكر والمجتمع.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد