مبارك الهزاع
إن السحر ليس مجرد خرافة تلوكها الألسنة، ولا هو أوهام تُروى لإرعاب الأطفال قبل النوم. إنه قوة خفية تسري في التاريخ، تتحكم في النفوس، وتقلب الموازين، وتعقد الصفقات في الظلام. السحر كان ومازال أداة من أدوات السلطة، وسلاحاً غير مرئي في حروب لا تُدار بالرصاص فقط، بل تدار بالعقول والنفوس والأرواح.
لقد كان السحر حقيقياً منذ فجر التاريخ، وأكد القرآن وجوده في مواضع عدة، أبرزها قصة النبي موسى، عليه السلام، مع سحرة فرعون. في تلك الحادثة، لم يكن السحر مجرد استعراض بصري أو ألعاب خفة، بل كان نظاماً متكاملاً من النفوذ والخداع والسيطرة على العقول. يقول الله تعالى:
«وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ» (الأعراف: 116)
لم يكن سحراً بسيطاً، بل هو سحر «عظيم»، بما يحمله من تأثير على الناس، إلى درجة أنهم رأوا الحبال والعصي تتحرك كأنها حيات تسعى. لكنه كان خداعاً بصرياً، تلاعباً بالإدراك والمشاعر، وهو ما جعل سحرة فرعون يدركون فوراً أن معجزة موسى ليست سحراً، بل هي أمر خارج عن سيطرة البشر والجن، فسجدوا معلنين إيمانهم.
عبر التاريخ، لم يكن هناك ملك أو إمبراطور عظيم إلا وكان في بلاطه ساحر أو كاهن، لماذا؟ لأن الساحر لم يكن مجرد شخص يقرأ الطالع أو يلقي التعاويذ، بل كان مستشاراً خفياً، يفهم خفايا النفس البشرية، ويعرف كيف يزرع الخوف والطاعة في القلوب. كان الساحر هو العقل المدبر، القادر على إيهام الناس بأن الملك إله، أو أن طاعته قدر محتوم لا يُرد.
انظر إلى الفراعنة، إلى البابليين، إلى محاكم التفتيش في أوروبا، وحتى إلى الدوائر الخفية التي تحكم العالم اليوم. السحر لم يكن مجرد أدوات وطقوس، بل كان علماً لإخضاع الناس، لصناعة الوهم الكبير الذي يجعل الشعوب تصدق ما يُراد لها أن تصدقه.
في العصر الحديث، لم يختفِ السحر، لكنه ارتدى قناعاً جديداً. خذ على سبيل المثال قضية «جزيرة إبستاين»، حيث لم يكن الأمر مجرد حفلات سرية لأصحاب النفوذ، بل شبكة معقدة من الطقوس والرموز التي تمتد إلى أعماق لم يتم الكشف عنها بالكامل.
أما المغني الشهير «بي ديدي»، فقصته ليست استثناءً، بل واحدة من حلقات سلسلة طويلة، حيث يدخل المشاهير إلى عالم لا يمكنهم الخروج منه بسهولة، عالم تُدار فيه السلطة من خلف الستار، عالم تُستخدم فيه الطقوس كاختبار للولاء، وكوسيلة للتحكم في من يصعد ومن يسقط.
في الحروب الحديثة، لم يعد السحر مجرد تعاويذ وطقوس، بل تحول إلى هندسة نفسية، إلى إعلام يُعيد تشكيل وعي الشعوب، إلى موسيقى وأفلام ورسائل مشفرة تُغرس في اللاوعي الجماعي. الحروب لم تعد تُخاض فقط بالسلاح، بل بالأفكار، بالأيديولوجيات، بالخوف الذي يُزرع في النفوس قبل أن تُزرع القنابل في الأرض.
السحر ليس في الماضي فقط، وليس مجرد مشهد في قصة موسى وفرعون، بل هو واقع نعيشه دون أن ندركه. السؤال الحقيقي ليس هل السحر موجود؟ بل إلى أي مدى نحن محكومون به؟ وإلى أي مدى نرى الحبال والعصي تتحرك أمامنا، ونحن نصدق أنها أفاعٍ دون أن نشكك؟
هل تعلم عزيزي القارئ أنه لا يوجد نص قانوني لتجريم السحر بالكويت... وقدم أكثر من نائب تعديلات للقانون وتم تعطيله لأكثر من مرة؟ فلا يمكنك إلا أن توجه للساحر تهمة النصب والاحتيال فقط. من المستفيد من هذا التعطيل؟ جميع دول الخليج لديها قانون يجرم هذه الأعمال ولكن لدينا فقط يمكن للساحر أن يفسد ويدمر...!