عبده الأسمري
حول آلام المرض إلى آمال للشفاء مخففاً «أعراض» المتاعب ومعالجاً «أمراض» النفس.. بحكمة «الطبيب» الرائد وحنكة «اللبيب» السائد بعد أن محا من «قواميس» المصاعب «خلل» السلوك وأزال من «هواجيس» الذات «علل» المسالك..
ارتضى «الطب» كمهنة فنال «الرضا» من «أعماق» التخصص إلى «آفاق» الاختصاص.. ورضي بالمتوافر» فحصد «الموفور» في صفحات «الريادة» وأمام منصات «الأولوية».
أختار «المجال» الصعب متجاوزاً «الخطر» وانتقى «الموقع» الأصعب مجتازاً «الحذر» فكان رائد «الطب النفسي» الحديث.. وخبير «العلاج السلوكي» المتطور.
إنه الأستاذ الدكتور أسامة محمد الراضي رحمه الله.. أول طبيب نفسي بالسعودية ومؤسس مستشفى شهار «الشهير» للأمراض النفسية.. وأحد أبرز الأطباء في الوطن والعالم العربي.
بوجه حجازي مسكون بالفطنة والألفة وتقاسيم مكية بواقع النشأة ووقع التنشئة وسحنة «حنطية» تتكامل على ملامح تتكامل مع والده الوقور وأجداده النبلاء وتتماثل مع أخواله الفضلاء وأناقة تعتمر «البياض» في الرداء الطبي و»البهاء» في الزي الشخصي وعينان تلمعان بلمحات «الإنصات» ونظرات «الثبات» وشخصية ودودة الجانب سخية «العطاء» رائعة «التواصل» عميقة «الرأي» بليغة «القول» بالغة «الأثر» ولغة مزيجه بين لهجة مكاوية جائلة في مجالس الأصدقاء ومرابع العائلة ولغة احترافية ثابتة في مواقع «العمل» ومواطن «التشخيص» وعبارات ثرية بالمعرفة وزعها باقتدار في «مؤتمرات» الداخل ووظفها بانتشار في «مناسبات» الخارج.. قضى الراضي من عمره عقودا وهو يؤسس لمنظومة الطب النفسي الحديث في الوطن طبيباً ورائداً وخبيراً وركناً من «أركان» الطب الذي حفر اسمه بامتياز في متون «الحرفة» وشؤون «المعرفة».
في مكة المكرمة أطهر بقاع الأرض والممهورة بإرث التاريخ وأثر الجغرافيا ولد عام 1933م في أحد أحياء «المدينة المقدسة» المشعة بالطهر والتقى وتفتحت عيناه على أب «متدين» وأم «عطوفة» فنشأ بين قطبين فاخرين من الاعتناء علماه ماهية «الالتزام» سراً وجهراً حيث أنصت طفلاً لعزائم «اليقين» في نصائح والده الوجيه وموجبات «الحنان» بين دعوات والدته المباركة.
تعتقت نفسه طفلاً برياحين «الطمأنينة» في رحاب «البيت العتيق» وتشربت روحه مضامين «السكينة» في أورقة «الحرم المكي» وركض مشفوعاً بعبق «الأمكنة» وأفق «الأزمنة» منخطفاً إلى نسائم «التعبد» أمام مقام سيدنا إبراهيم ونفائس «الابتهال» حول حجر سيدنا إسماعيل ومنجذباً إلى «تراتيل» الفجر في صلوات «الخاشعين» وتسربت إلى أعماقه «الألحان السماوية» في تلاوات «الجهر» أمام الكعبة المشرفة فكبر وفي قلبه «عناوين» الروحانية والتي تحولت إلى «تفاصيل» زاخرة بالوفاق والتوفيق بين دوافع أولى ومنافع مثلى استعمرت وجدانه بجمال «المشعر» وجميل «الشعور».
ركض الراضي مع أقرانه بين بطاح «أم القرى» وشعب عامر وأحياء الحجون وريع ذاخر والشامية متنفساً «الفرح» ومستنشقاً «السرور» بين ثنايا «الروحانية» حيث ارتوى من معين «زمزم» وانتهل من «معن» المقام لتتشكل طفولته في «ميزان» قويم جمع النقاء والبهاء.
رافق الراضي والده كثيراً ونهل من «خزائن» علمه باكراً ودرس المرحلة الابتدائية وسط «صعوبة» باكرة تمثلت في قلة «المدارس» وندرة «المواصلات» ثم انتقل بعدها إلى مدرسة «دار البعثات» التي تم تأسيسها بتوجيه من مؤسس البلاد الملك عبد العزيز رحمه الله حيث أكمل فيها دراسته المتوسطة والثانوية عن طريق «التسلق» لطلب العلم يومياً إلى سفح «جبل هندي» التي أنشئت عليه في ملاحم «طموح» صنعت له «النجاح» وحصدت له «التفوق» .
اتجه الراضي مع جمع من رفاقه البارزين دراسياً إلى مصر ليحققوا رؤية مؤسس البلاد في التعليم وصناعة المستقبل بسواعد أبناء الوطن..
من عقر «قاهرة المعز» حصل الشاب الطموح على درجة البكالوريوس في الطب من جامعة عين شمس «العريقة» وواصل تعليمه وحصل على تدريبات الطب النفسي في بيروت تحت رعاية منظمة الصحة العالمية في عام 1965. وبات أول طبيب نفسي في السعودية ومؤسس لهذا «التخصص الفريد».
عاد لأرض «الوطن» وفي يده حقيبته الشهادات «العليا» وفي يمناه «تلويحة» الانتصار وفي يسراه «لائحة» الاعتبار ليشكل «العنوان الرئيسي» لتفاصيل متجددة من التأسيس والابتكار والتجديد.
ومع عودته الميمونة قرر الراضي «رد الجميل» لوطنه الكبير الذي ساهم في تعليمه وابتعاثه حتى يرسم «خرائط» الوفاء على صفحات التنمية ويسخر «مقدرات» السخاء في ميادين المسؤولية.
قام الراضي بتأسيس أول مستشفى خاص للأمراض النفسية في الطائف إنفاذاً لأمر الملك عبد العزيز وبدأ عمله فيه ضمن «نقلة نوعية» وخطوة أولى على درب «التطور» حيث بدأ الطبيب الشاب عمله وسط «مباركة» من الدولة و»مشاركة» من المجتمع.
بدأ الراضي براتب «زهيد» يعادل «نصف أجرة عامل نظافة» ثم قام بجلب «الأطباء المتخصصين» وكان أول من وضع «نواة» المصحات النفسية المتخصصة وقد أسهم في تطوير هذا «الجانب العملي» المهم لتصل أصداؤه إلى المناطق الأخرى من حي «شهار» الذي احتضن المستشفى الأشهر في علاج الأمراض النفسية والعقلية.
شارك الراضي بفاعلية في عدة مناسبات في الداخل والخارج وقدم عددا من «الأبحاث» و»أوراق العمل» في مؤتمرات متخصصة وارتبط اسمه بالطب النفسي واقترنت سيرته بمسيرة «الصحة» في الوطن وعاصر عددا من وزراء الصحة الذين كانوا يشيدون بإمكانياته وأعماله.
افتتح الراضي عيادته الخاصة وأسهم في علاج الكثير من المرضى الذين يشهدون بكفاءته وخبرته وتميزه.. حيث كان بارعاً في المواءمة ما بين العلاج الطبي بالعقاقير والتطبيق السلوكي بالإرشاد..
تولى الراضي منصب مدير مستشفى الصحة النفسية بالطائف ومناصب أخرى وعمل في عدة اتجاهات وترأس الجمعية الإسلامية العالمية للصحة النفسية وله «عضويات» أخرى في عدة مجالات تخص جوانب الطب النفسي وعلم النفس والسلوك والإرشاد والعلاج بعدة تقنيات وتطبيقات تحولت إلى «مناهج» متطورة في الجوانب الطبية.
في عام 2005 انتقل الراضي إلى رحمة الله وقد وصفته الوسائل الإعلامية والوسائط الخبرية برائد الطب النفسي في السعودية وأحد أشهر الأطباء النفسيين على مستوى العالم العربي والخبير الذي ملأ مكانه وسد فراغ «البدايات» بكفاءة العلم وإجادة المهمة.
ترك الراضي سيرة حافلة بالأعمال المهنية ومسيرة زاخرة بالأفعال الخيرية التي ظلت في «حيز الكتمان» وشهدت بها «دعوات» المكلومين و»ابتهالات» المرضى الذين كان لهم نبراساً إنسانياً بدد عتمات «المرض ومشعلاً طبياً أنار دروب «الأمل».
أسامة محمد الراضي.. حكيم «شهار» الشهير والاسم الطبي الراسخ في ذاكرة «الوطن» الذي صنع «الفارق» وكان ولا يزال «الرقم الصعب» في معادلة «النماء» الوطني والاستيفاء المهني.